أزمة إدارة
كان افضل لو ان وزير التربية الدكتور ابراهيم بدران لم يظهر كثيرا على الشاشة وامام الصحافيين وهو يستغرق في شرح مفصل للاسباب الفنية التي قادت الى هذا الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الوزارة في نتائج امتحان التوجيهي.
فهو, اي الوزير, لم يمض على وجوده في الوزارة سوى شهرين, وهو جاء اليها من خارجها وفي كل الظروف يحتاج الى هذه الفترة (مضاعفة) لكي يتعرف على شؤون وزارته وتفصيلات عمل دوائرها ومديرياتها والاشخاص المسؤولين فيها.
وكان من المنطقي, ان يظهر بدلا منه في الواجهة, مدير الامتحانات ومجموعة الموظفين الكبار الذين يشرفون على الامتحان وعلى ادارة اجهزة الحاسوب في الوزارة, فهؤلاء وقع الخطأ في دائرة مسؤولياتهم المباشرة, وهم من الناحية الفنية والعملياتية الاقدر على تقديم الاجابة الصحيحة عن اسباب الخطأ.
نكرر ونعيد القول دائما في الصحافة, بان الوزير هو المسؤول الاول عن اعمال وزارته وهذا صحيح من الناحية النظرية, وما هو صحيح اكثر, ان الحكومة كلها مسؤولة بوصفها فريقا يتحمل المسؤولية الجماعية لقرارات واداء الوزراء, ولهذا في الدستور الاردني عندما يستقيل الرئيس يستقيل معه جميع وزرائه حكما, ولو ان كل وزير له مركبه الخاص, لذهب الرئيس في تعديل بينما تظل الحكومة قائمة.
اقول, هذه هي المسؤولية من الناحية النظرية يتحملها الوزير والحكومة. لكن في »الحالة الاردنية« الامر مختلف, فالوزراء في الغالب يغادرون وزاراتهم في التعديل والتغيير, تماما مثلما دخلوها, كالضيوف, قياسا بالفترة الزمنية القصيرة لعمر وظيفة الوزير. وهم عادة يبدأون اعمالهم في الانشغال بتغيير الامناء العامين والمساعدين والمدراء. وكل وزير جديد, يواجه باجواء داخلية تشجعه على التغيير, من باب, ان الوزير الذي كان, قرّب فلان, وابعد علان, واحال آخرين على التقاعد, وتوضع الاولوية في الغالب لمهمة »التطهير«.. هذه هي الاجواء التي يعيشها الوزير الجديد في بعض الوزارات كما سمعت من »موظفين« جاءوا الى الصحيفة واستفاضوا في شرح هذه الاوضاع, وقد تذكرت وانا استمع الى هذه الاحوال حكايات حريم السلاطين ايام المماليك ومؤامراتها من اجل ازاحة فلان وتهيئة الاوضاع للوزير علان.
ما حصل في وزارة التربية من خطأ, تكرر مثله خلال السنوات الاخيرة في عدد من الوزارات وهو يكشف عن ضروب مختلفة من الاهمال واللامسؤولية, او عن اختفاء الجسور بين مكتب الوزير وبين باقي القطاعات المسؤول عنها, ولست محتاجا لضرب الامثلة, لكنني اروي ما سمعته من موظف صغير في احدى الوزارات الخدمية المهمة عندما قال "قبل 5 سنوات كان الوزير فوق رؤوسنا في الليل والنهار, خاصة عندما يطرأ خطأ قد يؤدي الى قطع الخدمة عن المواطنين", لكنه يضيف: الوضع اليوم اختلف فمدير المديرية لا نراه الا بالصدفة, والوزير لا يعرف شيئا عن اداء قطاعات وزارته.
وكنت غير مصدق تماما لكلام هذا الموظف, لولا انني سمعت من فم وزير معه في الحكومة قصة اخرى تثبت بالفعل جهل الوزير المذكور بشؤون وزارته!
بالتالي, القصة لا تنتهي باستقالة وزير ولا حتى بلجنة تحقيق, انما هي ازمة إدارة, وخلل كبير وقع فيه الاداء المؤسسي في الدولة, الى جانب غياب خطط استراتيجية عابرة لتغيير الحكومات ووزرائها, وهو ما ادى الى تراجع اداري, يعبّر عن نفسه بين وقت وآخر, بمظاهر الخلل والخطأ والتهاون عند تقديم الخدمات للمواطنين.
منذ سنوات عندما بدأت الحكومات في وضع خطط الاصلاح الاداري وقعت "هوايل", ما حدث ان زحف الاف الموظفين من خارج "الجهاز الاداري" للحصول على عقود بالالاف في المواقع الحكومية العليا, ومعها جاء عشرات المستوزرين الذين لا يفرقون بين "القانون" وبين "النظام" والنتيجة "خبرة يوك" و "شغل يوك" وهذا معناه بالتركي لا خبرة, ولا شغل, وسبب "هذا الاقتباس" شيوع ثقافة المسلسلات التركية التي تساهم في تقديم الرومانسية كعلاج يسلّي الناس في غياب برامج وتحقيقات يراقب فيها اداء المسوؤلين عبر وسائل الاعلام ويتم من خلالها تداول المعلومات حول شؤونهم وقضاياهم!!0