لماذا نقدم الإسلام إلى الناس وكأنه في قفص اتهام ؟!

تم نشره الأربعاء 24 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 02:31 صباحاً
لماذا نقدم الإسلام إلى الناس وكأنه في قفص اتهام ؟!
د. علي العتوم

أسلوب غير سليم ولا صائب، ونهج غير حقيقي ولا منطقي، بل هو انحراف عن الجادة ومجانبة للصواب، ومن ثم انتقاص لأمر الله، وتعدٍّ على حقوق الخلق، ذلك لأن الإسلام هو منهج الله للعالمين الذي عليه يصلحون، وبغيره بلا ريب، يفسدون. وصدق الله العظيم إذ يقول: (إنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ) ويقول: (ومَنْ أحسنُ ديناً ممّن أسلمَ وجْهَهُ للهِ وهو مُحسِنٌ)، ويقول: (ولهُ أسلَمَ مَنْ في السماواتِ والأرضِ طوْعاً وكرهاً، وإليه يُرجَعونَ).
فالإسلام هو طب البشرية الناجع ودواؤها الشافي في كل شؤونها الدنيوية والأخروية، وإلا بقيت مريضة عليلة وشقية ذليلة. ونحن بنهجنا هذا وطريق عرضنا هذه، نهجَ التضاوي والمواربة وطريق الضعة والاستحياء، إنما نعتدي على حرمات الله، ونفرّط بوظيفتنا الأصيلة تُجاه هذا الدين إلى ما يشبه الخيانة، لأننا مؤتمنون على الرسالة، وتفريط المؤتمن أشنع تفريط، وإهماله أسوأ إهمال.
إن سبيل المسلمين في العالم اليوم عامة وبعض دعاة الإسلام خاصة، أن يعرضوا هذا الدين مغلفاً بألف ثوب شفّاف وألف حلية براقة، ومئات الأطنان من الشهد والترياق، وهم يتحركون به بإشفاق وخشية متوسلين إلى الناس بقبوله بكل ترجٍّ مهين ودفاع باهت، إذ همهم إن يلتفت إليه الناس بنظرة عطف وحنان، أو ينالوا منهم بشأنه كلمة تقدير وثناء، فهو في أيديهم يُعرض مُقيّداً أسيراً ومتّهماً جانياً، يرسف بالسلاسل المصطنعة التي كبّله بها الخبثاء من أعدائه عبر القرون.
لقد شغلنا ولعلنا لا زلنا نُشغَل منذ نهايات القرن التاسع عشر بالتجادل بالحق أو بالباطل حول مسائل تجاوزها الزمن، وأثبتت الأيام أن الإسلام والإسلام وحده هو فيها للعالم فارسها المنقذ وطبيبها النطاسي ومهندسها البارع، وأن في صيدليته الإلهية كل ما تفتقر إليه البشرية من حلول لمشكلاتها المستعصية وأدوية لمعضلاتها المتأصلة، لأنها بغيره جاهلية وثنية، وبه ربانية رحمانية تسير على نور، وتخطو على استقامة، وتصوّب لسموٍّ، وتصعد إلى قمة وغيرها ينحط إلى سفح، ويرتكس في حضيض.
مسائل جاء الإسلام منذ البداية بحلها بكل يسر وسهولة، ولكنَّ الجاهلية والجاهليين عادوا ليخلطوا الأوراق من جديد، ويُعَمُّوا على الناس أمر صلاحهم، لأنهم يُبلِّغون في حركاتهم عن الشيطان، ويستمدون أفكارهم ومبادئهم من أوكار الإلحاد والطغيان. وعندها انقسم الناس في بلاد المسلمين حول هذه المسائل في الوضع الجديد ولا سيما بعد انتفاش القوميات في أوروبا وضعف الخلافة الإسلامية في الشرق وسقوطها، إلى طائفتين: كثرة كاثرة من ضحايا مؤامرات أعداء الإسلام تدين للغرب بالولاء، وقلة قليلة مغلوبة على أمرها ممن لا يزالون يتمسكون بعرا الإسلام وأهدابه، لا وزر لهم في العالم إلا بقية من وعي لمّاح ورسيس من عقيدة صالحة.
هذه المسائل البديهية التي عُقّدت وعوِّصت كيداً وتآمراً، كانت تدور حول: هل في الإسلام دولة، وهل فيه سياسة واقتصاد ؟! وهل فيه اشتراكية وديموقراطية ؟! وهل يحترم المرأة ويُشجّع العلم والعلماء ؟! وهل الحاكم فيه ظل الله في الأرض يحكم كما يشاء، أم يقبل أن يُعارض ويُخطّأ ؟! وهل يقبل الإسلام الحوار والرأي الآخر ؟! وهل يرضى أن يتعايش فيه المواطنون من غير أبناء دينه وإياه في مجتمع واحد ؟! وهل يُجِلّ القوميات أم يحتقرها ويزدريها ؟! وهل الخلافة ضرورية فيه، وهل هي له خير أم شر ؟! وهل تعدد الزوجات جائز أم هو عاب ومعرّة؟!
وانطلت الخدعة، فظهر في بلاد المسلمين من يقول: إن الإسلام دين رجعي لا يصلح لحياة العصر، ليس فيه دولة ولا سياسة ولا نظرة اقتصادية أو اشتراكية، وأن المرأة فيه مظلومة، ولذا يجب إخراجها من البيت بكل وسيلة وكشف سترها، وأن الإسلام ما كان في تاريخه الطويل إلا حُكماً تسلطياً، وأنه دين اقصائي لا يقبل أي دين غيره معه، وأن تعدد الزوجات عاب للمرأة وعار، وأن نظام الخلافة كان وبالاً على الإسلام والمسلمين. وكان ممن تولى كبر هذه الأفكار المأفونة ممن تأثر بفكر الحضارة الغربية وكان نذير شؤم على أمته وبلاده أمثال: طه حسين ومحمد حسين هيكل وقاسم أمين وأتاتورك وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد وسلامة موسى ولويس عوض.
وقد أُحكمت المؤامرة التي تعاون على رسمها شياطين الإنس والجن في الداخل والخارج على أن يُدعَمَ المُنادون بإقصاء الإسلام عن سدة الحكم من المفكرين، بسلطة العسكر التي تفتقت عنها لبلادنا أفكار أعداء الأمة من غرب وشرق، فكان قادة الانقلابات العسكرية في أوطاننا غربان شؤم على بلدانهم، حاربوا الإسلام وأهله، واحتقروا الدين وأنصاره، واشتروا الكثيرين من علماء الدين ليكونوا في ركابهم تطلعاً للعاعات في أيديهم زهيدة، وهلعاً من سياط في أكفّهم غليظة، ومن هنا ساد الخوف وانتشر الرعب وخنع الناس وأصبح الكثيرون من المفكرين يسبحون بحمد الطواغيت.
ولعشى أبصار المفكرين المتعبدين لثقافة الغرب وانبهارهم ببريقها الخلاب، ورهبتهم من سيوف الحكام، ورغبتهم بنضارهم، كثر المنافقون وضاع الحق وأضحى من بقي عنده حب للإسلام وإخلاص - مع غياب الوعي العميق بحقيقته – ينادي به على خفوت، ويتدسس به إلى الناس تدسساً: أيها العالم انظروا إلى الإسلام، والله إنه لدين حق يحترم المرأة ولا يقبل التعدد إلا في أقصى الضرورات، وأنه دين ديموقراطي ينضح بالاشتراكية، فنرجوكم ألا تتهموه، فإنه دين طيّب ومسالم لا جهاد فيه ولا عنف، وأن كل ما تريدونه منه موجود. لا حكم فيه ولا سياسة وهو مع الاختلاط ونزع حجاب المرأة وعملها بلا شروط. فكل هذه التقييدات مسائل كانت مرهونة بالزمان القديم، وقد ولّى. ويضيف بعضهم تملّقاً ونفاقاً لأوليائه الغربيين: نحن منكم وإليكم، درسنا في مدارسكم وتخرجنا في جامعاتكم.
إنها لسياسة بائرة وتفكير سقيم وموقف مستخذٍ، ذلك الذي يسلكه بعض من يدعو إلى الإسلام في هذا العصر أو يقوم بعرض مبادئه على الناس، إذ أن غاية ما في الإسلام عنده، أنه دين لا يتعارض مع مبادئ الحضارة الغربية. مع أن الإسلام في حقيقته، دينٌ نمطُ وحدِه ونسيج وحدِه ونظام وحدِه، لا يساوقه أي دين آخر في هذه المعمورة أو يساميه، بعد أن فسدت الديانات السماوية وتلوعب بها. ومن هنا – وفي ختام حديثي – أقول: إن على أصحاب هذا النهج، أن يقلعوا عنه في عرض الإسلام بأسلوب التدسس والدفاع، وكأنه متهم جانٍ ومقترف جارم، بل إن علينا أن ننقله إلى الناس بكل أمانة وقوة وصفاء ونقاء وجرأة ووضوح، على أنه وحده لا غيره المخلّص للبشرية جمعاء، وأنَّ كل ما عداه من مناهج، جاهلية تؤخر ولا تقدم، وتُفسِد ولا تُصلِح، وأن يكون هذا ديدن الدعاة وأسلوبهم في مؤلفاتهم وأحاديثهم ومقالاتهم ومناظراتهم ودروسهم، لأنه ليس بعد هذا إلا الانهزامية والتخاذل والضعة والهوان، والتراجع والانحدار. أجل، إن علينا أن نجهر منادين الناس كافة: أنْ تعالوا إلينا تُفلِحوا، فمنهجنا هو الصحيح لأنه من عند الله ومناهجكم باطلة لأنها من عند أنفسكم. وها نحن قد حكمنا قروناً فأصلحنا وعدلنا وجمعنا، وحكمتم أنتم مثلنا قروناً فأفسدتم وظلمتم وفرقتم. فأين الثرى من الثريّا والتبر من التراب. وصدق الله العظيم: (أفنجعلُ المسلمينَ كالمجرمينَ، ما لكُمْ كيفَ تحكُمونَ) ؟!

السبيل 2014-12-24



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات