المصالحة القطرية-المصرية
سيبقى الإعلام، ومنه شبكات التواصل الاجتماعي، هو المحدد الذي تقاس عليه قدرة المصالحة القطرية-المصرية على الصمود. فالإعلام أول من يتحدث وآخر من يسكت، وحتى اللحظة لم يسكت هذا الإعلام، على الرغم من قرار وقف بث قناة "الجزيرة مباشر مصر" التي تركز في تغطيتها الإخبارية على الاحتجاجات المناهضة للنظام المصري، والتي يقوم بها أنصار جماعة الإخوان المسلمين التي صُنفت في مصر "جماعة إرهابية".
المبادرة السعودية لتحسين العلاقات المصرية-القطرية المتأزمة منذ عزل الرئيس محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013، برغم مقاصدها الاستراتيجية، ما تزال تحت الاختبار، مع أن المؤشرات تتوالى بأن المصالحة تتقدم. فالتريث مطلوب لمعرفة حقيقة حدودها وآفاقها. ومما يؤكد ضرورة هذا التريث أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف، أثناء زيارته إلى الصين، قيام قطر بإغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر" بأنها خطوة أولى، وأنه ينتظر المزيد من أجل تدعيم تلك الخطوة "غير الكافية"، برأيه. ويؤكد إعلاميون مصريون أن السيسي يصدر في رأيه هذا عن معرفته بـ"حالة الغضب المصري تجاه قطر"، ثم إن المصالحة جاءت عقب تطور مهم أثار كثيرا من الاستفهامات؛ وهو أنها حصلت مباشرة بعد توقيع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقاً لتأسيس "مجلس التعاون الاستراتيجي التركي-القطري" رفيع المستوى، إضافة الى اتفاق للتعاون بين البلدين في المجالات الدفاعية. وفي تلك الأثناء أيضا، كان نواب "الإخوان المسلمين" المصريين السابقون، يجتمعون في اسطنبول تحت مسمّى "البرلمان المصري"، ما يعني أن إجبار قطر على قطع علاقتها بـ"الإخوان" أو تحجيم علاقتها بتركيا على خلفية دعم الأخيرة لهم، سيبقيان شرطين غائبين على المدى المتوسط في سياق هذه المصالحة. وقد أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن تركيا مستعدة لتحسين علاقاتها مع مصر، إذا أقدمت القاهرة على "خطوات من أجل الديمقراطية، وأوقفت انتهاكات حقوق الإنسان والظلم".
على أي حال، التسريبات عن استعدادات للقاء قمة في الرياض، يجمع الرئيس المصري مع أمير دولة قطر، ربما في كانون الثاني (يناير) من العام الجديد 2015، تؤكدها مصادر كثيرة، منها مصادر كويتية تحدثت عن أن السيسي سيزور الكويت قبل ذلك للتحضير لهذا اللقاء.
المصالحة الخليجية-الخليجية والقطرية-المصرية جزء من سياق إقليمي يقوده "محور الاعتدال"، ويصر على أن بقاء الأزمة يضر بمصالح جميع مكونات هذا المحور. والكتلة السياسية من النخب في كل من مصر وقطر، والمتشددة بشأن شروط المصالحة بين البلدين، يتراجع صوتها لمصلحة الاستجابة للدعوة السعودية وللمبادرة الإماراتية التي تمثلت في زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد إلى الدوحة.
في الأفق المنظور، من المحتمل أن تعزز المصالحة القطرية-المصرية زيادة فرص الدوحة في الاستثمارات في مصر، خاصة في الجانب الزراعي، ومن المحتمل أن تكون محفزا للدوحة للإسراع في تقديم حصة قطر من المنحة الخليجية إلى الأردن، خصوصا أن الأردن أظهر سلوكا سياسيا محسوبا، من حيث عدم الدخول طرفا إبان الأزمة الخليجية-الخليجية وأزمة الدوحة-القاهرة.
الغد 2014-12-26