الدين ليس قانونا فقط..!!
منذ ان بدأت حركة النهوض الاسلامي قبل قرون ، ودعوات تطبيق الشريعة الاسلامية تتصاعد ، بعضها يرى ان استدعاء الاسلام وتجربته الاولى في صدر الدعوة بكل تفاصيلها هو الحل والمخرج ، وبعضها يحاول تجديد هذه التجربة بما يكفل تعايشها مع العصر ، فيما يعكف الاخرون في التطبيق وقبله الفهم ، فيسيئون الى الاسلام ويختزلونه في شكليات هنا.. او حدود وأحكام هناك.
السؤال - بالطبع - ليس: هل نحن مع تطبيق الشريعة أم لا؟ فأكثرية المسلمين تطالب باستمرار لاعادة الاسلام - شريعة وعقيدة - الى منصة الحضور والفعل ، وترى فيه الحل لكثير من مشكلاتها وأزماتها ، لكن متى نطبق هذه الشريعة وكيف؟ وهل تطبيق الشريعة وحده هو الذي يقيم مجتمع الاسلام؟ وماذا نقصد بالشريعة - اصلا - ؟ هل هي مجرد الاحكام والقوانين والحدود التي جاء بها الاسلام لتنظيم حياة الناس ، أم هي النظام الشامل الذي يحكم حياة الانسان وسلوكه ويبني مجتمعه ويؤسس لكيفية تعامله مع ذاته وأخيه المسلم ومع غيره ومجتمعه والكون ايضاً؟
بعض التجارب التي حاولت الدخول من بوابة تطبيق الشريعة الى الحكم او رفعت هذا الشعار للوصول الى السلطة وقعت في المحذور ، فتطبيق الشريعة - هنا - ليس مقتصراً على الحكم والحكومات وانما هو تكليف للمسلمين كلهم تبعاً لمسؤولياتهم ومواقعهم ، واولويات تطبيق الشريعة لا تبدأ باقامة الحدود او تنفيذ الاحكام ، وانما بالتنمية والحرية والديمقراطية والقضايا الكبيرة التي تكفل عمارة الانسان لهذا الكون ، والتخويف من تطبيق الشريعة - وفق مفهوم التأديب - انتقل من غير المسلمين الذي اصبحوا مواطنين في البلاد الاسلامية والاخرين الذي يؤون اقليات اسلامية الى المسلمين ذاتهم ، خاصة حين اعتبر بعض المتشددين حيال هذه المسألة ان بيده الحق لقتل اخيه المسلم او غيره من الابرياء ، واخراجه من الملّة لمجرد انه لم يحسن اسلامه (لا تسأل عن الايمان الذي يترتب على العقيدة ومعه تترتب مسألة حرمة الدماء ولا تسأل عن ابجديات الدين التي تمنع العدوان على الابرياء ، ولا تسأل عن الشريعة التي ترتبط بالعمل الصالح) ، فيما لم يفكر هؤلاء ان الشريعة تحث على الحفاظ على حياة الانسان وتفرض شروطاً تبدو في معظمها معجزة اذا ما فرضت اقامة الحد ، كعقوبة على جريمة ما.
باختصار ، الاسلام ليس مجرد قوانين واحكام تفرض بالقهر ، والعقيدة هي الاصل الذي خرجت منه الشريعة ، وتطبيقها ليس عقوبة ولا تأديباً ، وانما اقامة للمجتمع على اسس من الامن والسعادة والاستقرار ، وتمكين للانسان من بناء دنياه ، وتكليف للمسلم - اي مسلم - في ترتيب علاقته مع ربه ومحيطه كله على افضل ما يكون.
الدستور 2014-12-26