سحب الجنسيات..ردع أمني أم افلاس؟!
سقطت قيمة الجنسيات في العالم، والجنسية التي كانت حقا مكفولا لايمكن مسه، تحت اي ظرف، باتت جنسية مشروطة، وكأنها جنسية مؤقتة، وفقا لتصرفات حاملها.
كنا نظن ان الجنسية حق لانقاش فيه، في العالم، وحق مؤقت في الشرق الاوسط، حتى امتدت عدوى الجنسية المؤقتة التي يمكن سحبها في اي لحظة الى دول كثيرة.
بريطانيا تسحب الجنسية، او تجمد تجديد جواز السفر في حالات معينة، اغلبها امني، والاتجاه العام نحو جعل الحرمان من الجنسية، ممكنا في حال انضمام اي شخص الى تنظيمات مثل: القاعدة وداعش.
الامر ذاته بدأنا نسمع عنه في دول غربية اخرى، والجنسية هنا، قد يتم سحبها كليا، وقد يتم وقف تجديد جواز السفر، بحيث يكون حامله محروما منه، وبمثابة المسحوب منه، تحت عنوان عدم التجديد، واحيانا تتم مصادرة الوثيقة ذاتها.
الاحتلال الاسرائيلي ايضا، يعتزم اصدار قرار يسحب فيه الجنسية الاسرائيلية، الممنوحة قهرا، للفلسطينيين المحتلة اراضيهم العام 1948 في حال تسلل اي شخص الى جبهات القتال في سورية والعراق، او انضم الى داعش او القاعدة.
الهدف من سحب الجنسية إخافة الشباب تحديدا من الانضمام لهكذا تنظيمات، وبحيث تتحول الجنسية هنا الى وسيلة ردع امني في وجه من تريد اسرائيل مواجهته.
هذا يعني من جهة اخرى ان دولا كثيرة تحت وطأة العامل الامني، تتخلى عن كل معاييرها، والدول الغربية التي تتحدث ليل نهار عن حقوق الانسان، تتنازل عن حقوق الانسان في حالات محددة، وتصل مرحلة تحويل المواطن لديها الى مجهول الهوية، من جانب الردع الامني، ولسبب آخر، اي حصر تحركات المطلوب، وجعله بلا وثائق صالحة تمكنه من التنقل والسفر من بلد الى آخر.
غير ان علينا ان نلاحظ مع توسع موجة سحب الجنسيات في العالم، وتجميد تجديدها، عنصرين هامين، اولهما ان هذه التصرفات موجهة عمليا لمكتسبي الجنسية، وليس للمواطنين الاصليين، ان جاز التعبير، فبريطانيا تسحب الجنسية او تمنع تجديد الوثائق اذا كان البريطاني هنا، من جذور اسيوية او عربية، لكنها لاتجرؤ على فعل ذلك، مع بريطاني جذوره ضاربة في انجلترا او ويلز او اي موقع آخر، وهذه اجراءات تعد عنصرية وتمييزية، لكونها تحول الجنسية الى طبقتين اولى وثانية، ولاتطبق معيار السحب ذاته على الطبقتين، في الوقت الذي لاتطبق فيه معايير العقوبات ايضا بذات الدرجة على الطبقتين، لكونها تستعمل وسيلة مختلفة مع جذر محدد تحت مظلة مواطنته البريطانية.
العنصر الثاني يتعلق بكون سحب الجنسيات او تجميدها دليلا على الإفلاس، وفشل الحرب على الارهاب في العالم، فالذي يعتزم التحول الى «قاطع رؤوس» في داعش، لن يهمه جوازه الاميركي او البريطاني او الاسرائيلي او اي جواز عربي، اذ عندما وصل الى هذه المرحلة، يكون قطع مسبقا صلاته بكل ماضيه، ومن الاستحالة ان يكون قرر الشراكة في هذه التنظيمات والعودة بعد فترة الى بلاده كداعشي متقاعد، وباستثناء حالات محدودة من الشباب العرب والمسلمين، ممن شاركوا في هذه الحروب وعادوا وانسحبوا الا ان اغلبهم، تصح عنونة مشاركته بالخروج دون عودة.
الحرب على الارهاب، باتت بوابة يتم عبرها، احتلال دول، والاطاحة بأنظمة، وذبح شعوب، والتنكيل بشعوب أخرى، وهدر حقوق الانسان، وتعذيب من له علاقة ومن ليس له علاقة، وعبقرية المواجهة باتت تقود الى تحطيم كل معايير حقوق الانسان، وسحب الجنسيات وتجميدها وعدم تجديد الوثائق، احد هذه المظاهر، وقد نصل الى مرحلة في هذا العالم بعد قليل لايقدر فيها لا العربي ولا المسلم، من التحرك من غرفة الى غرفة، في بيته، الا بعد التأكد من بصمة عينه.
يبقى السؤال: من هي الجهة القادرة على تقييم اضرار الحرب على الارهاب على عامة الناس في العالم وحياتهم، ممن ليس لهم علاقة اساساً، وايضاً تقييم الاضرار التي تسببت بها المجموعات المقاتلة لحياة المسلمين والعرب في العالم وسمعة الاسلام، على كل المستويات؟!.
والاجابة لابد ان تأتي عميقة، وتتناول المسربين معا، في ظل عدم اخلاقية الحالتين معاً.
(الدستور 2014-12-27)