براميل النفط الورقية
يتداول النفط على اعتباره ورقة مالية في السوق العالمية لا على اعتباره سلعة حيوية ، والنفط الذي اعنيه هو برنت حيث سعره حاليا بحدود ال60 دولارا للبرميل بعد ان كان بحدود الـ 100 دولار في حزيران الماضي ،لكنه انخفض لأسباب تتعلق بتراجع نمو الاقتصاد العالمي، و بالفوائض في السوق العالمية، وبحجم المتاح من النفط الصخري الامريكي المقدر ب 3 ملايين برميل يومياً، ولقد جاء الانخفاض حاداً ومبالغاً به ومتسارعاً لأسباب مضاربية تهدف لجمع كميات منه بأسعار منخفضة ترقباً لارتفاعات مستقبلية .
النفط سلعة استراتيجية تتم المضاربة على اسعاره بدليل ان استهلاك العالم بحدود ال 91 مليون برميل يومياً بينما يتداول ورقياً في بورصات النفط وبعقود اجلة بأضعاف مضاعفة لهذا الرقم ، و نستشهد كذلك بسعره في حزيران الماضي الذي كان في حدود ال 140 دولارا ، وانحدر حالياً الى ما دون ال 60 دولارا في وقت قياسي.
يمكن ان نفهم المضاربة في اسواق الاسهم حيث الاسهم منصات لتداول المترفين الاثرياء و اصحاب المدخرات، لكن النفط سلعا هاما للفقراء قبل الاغنياء، يحتاجها الكافة ،فكيف تتداول و يضارب على اسعارها بهذا الشكل المجحف بحقوق المنتجين والمستهلكين على حد سواء ، فالتداول كورقا ماليا يستوجب الشفافية والنفط اكثر سلعا تفتقر لذلك ، فلا تتوفر معلومات دقيقا عن المصدرين ولا عن المصافي ولا عن الشحن والتوزيع، والاهم الفوائض من المخزونات لا احد يستطيع تحديدها بشكل يومي دقيق .
المضاربة الحالية هوت بالأسعار انخفاضاً فأضرت بالدول المنتجة وستلغي الانخفاضات السعرية الاستكشافات النفطية الجديدة بسب كلفها المرتفعة خاصه النفط الصخري الامريكي الذي يلزمه اسعار فوق ال 75 ليكون مجدياً إنتاجه، وذات المضاربة غير الصحية اطلقت عنان الاسعار صوب ارتفاعات اضرت بالدول المستهلكة ، وخير مثال الاردن ذو الامكانيات المحدودة الذي تفاقمت مديونيته وعجز موازنته وتكبدت شركة كهربائه ديوناً ضخمة، واصبحت فاتورة الطاقة تستنزف ما يزيد عن 20% من ناتجه المحلي الاجمالي.
النفط سلعة هامة تجلب الدفْء لمواقد الفقراء شتاءً وتعينهم على عناء التنقل اليومي بين بيوتهم ومصادر رزقهم وتوفر في كلف غذائهم وشرابهم، يجب على العالم ان يعيد النظر في اسلوب تسعيرها وتداولها بشكل اكثر نظاماً وعدالة ، وإذ كان لابد فلا بأس من اسواق نظامية سائلة لمستهلكيه الحقيقيين ، واخرى موازية ورقية لمضاربيه الالكترونيين ، مع شفافية ومعلومات دقيقة وافية تغلق الفجوات في وجه المتلاعبين بأسعاره.
الرأي 2014-12-29