بأي خطاب نواجه « داعش»..؟!
هل يبدو خطابنا الديني تجاه داعش –تحديدا – والتنظيمات المتطرفة التي تمارس العنف باسم الدين –عموما – مقنعا ومؤثرا ..وصحيحا أيضا..؟
حين ندقق في الردود التي تتضمنها الروايات المختلفة التي يجري الترويج لها لدحض أفكار مثل هذه التنظيمات نجد ان ثمة تصورات مرتبكة احيانا ومتناقضة احيانا اخرى، فبينما يذهب البعض الى تكفير هؤلاء واخراجهم من – الملة- استنادا الى أدلة دينية معتبرة، يعتقد اخرون – وفي مقدمتهم الازهر- بانه لا يجوز تكفيرهم، ويستدلون على ذلك بامرين: احدهما ان القتال بين المسلمين كما اشارات الاية الكريمة « وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..» لاينفي عنهم الايمان ، وذلك لان الايمان يثبت بالاقرار، والتصديق به اصل فيما العمل فرع عنه ، وانعدام الفرع لا يلغي الاصل، اما الامر الآخر فهو ان تكفيرهم يعني قبول معاملتهم بالمثل، وبالتالي فان من يكفرهم ويتعامل بمنطقهم يصبح مثلهم تماما.
منطق الخطاب الديني –على اختلاف الفتاوى- يتعارض مع منطق السياسة، ذلك ان السياسة (الدولة : ادق) تنظر الى هؤلاء وتتعامل معهم على اساس انهم «اعداء «ويتوجب اعلان الحرب عليهم ، ويمكن فهم ذلك في اطار اعتبارهم خارجين على القانون او ان ما يمارسونه يشكل اخلالا بمصالح الدولة والمجتمع، ولا يهم هنا تصنيفهم في دائرة الايمان او الكفر ما دام انهم يشكلون خطرا على المصلحة العامة والامن والاستقرار.
عدم قدرة الخطاب الديني على حسم اشكالية « التصنيف»وما يترتب عليه من احكام فقهية ينعكس بالضرورة على تحديد صور التعامل مع الافراد والجماعات التي تمارس العنف والتطرف، فالبعض يخاطب هؤلاء ويطالبهم بضرورة الالتزام باحكام الدين وكأنهم ما زالوا في دائرته ولم يخرجوا منها، فيما يخاطبهم اخرون باعتبارهم كفارا ومرتدين، وهنا لا يمكن ان يطالبوا بالانصياع لاحكام الدين لانهم ليسوا جزءا منه.
لكي نخرج من هذه الاشكالية لا بد ان نحدد مسألتين، اولاهما فيما اذا كانت الحرب ضد هؤلاء حربا دينية تخضع لاحكام الدين او انها حرب سياسية تباشرها الدولة دفاعا عن مصالحها وامنها واستقرارها، وبموجب القوانين المحلية والدولية التي تسمح لها بذلك، اما المسألة الاخرى فتتعلق بالجهة المستهدفة بالحرب: هل نقاتلها لانها خرجت عن الدين او اساءت له ام لانها ارتكبت او سترتكب جرائم ضد الناس الآمنين والاوطان ، وبالتالي فان ردعها يدخل في باب «حق الدفاع عن النفس» او استباق الخطر الداهم، ولا يهم هنا اذا كانت هذه الجهة تنتسب الى الدين –اي دين – ما دام انها تمارس القتل والارهاب.
تحديد عنوان الحرب يترتب عليه اختيار الخطاب المناسب لاقناع الناس بها ، فاذا كانت حربا دينية يمكن ان نستند الى خطاب شرعي واضح ومحدد لتسويغها واثبات الادلة والاحكام المرتبطة بها ، اما اذا كانت حربا سياسية فيمكن ان نستند الى خطاب سياسي يحشد الناس حولها ، وهذا الخطاب يعتمد في العادة على وقائع محددة ترتبط بتقدير الخطر وحق الدفاع عن النفس وما يترتب من مصالح وخسائر تبعا لمعادلة التوازن في القوة والردع.
احيانا تختلط العناوين، ويصبح من الصعب ان نفصل بين الديني والسياسي، او بين منطق فهم الدين ومنطق الدولة، وعندها نحتاج الى خطاب يوحد بين الاعتبارات الدينية والاخرى السياسية للتعامل مع الطرف الذي نستهدفه بالحرب او الجمهور الذي نريد ان نقنعه «بضرورتها وعدالتها» ، وهنا لابد ان نراعي مسألتين ، الاولى ان ينسجم الخطابان في تعريف المهمة والهدف والجهة المستهدفة، وان يتحررا تماما من اشكالية التصنيف الديني والتصريف السياسي، اما المسألة الاخرى فهي ان تحديد عنوان الحرب يقتضي اعتماد خطاب هذا العنوان كخطاب اساسي ومركزي، فيما يمكن الاستعانة بالخطاب الاخر كخطاب للاسناد ولمزيد من الاقناع والتأثير ، وللتوضيح اكثر فان اعتبار الحرب ضد «داعش» مثلا حرب سياسية تتولاها الدولة وتتعامل معها بمنطقها يفترض ان يكون خطابنا خطابا سياسيا في الاساس، فيما يبقى الخطاب الديني خطابا مساندا ويتوجب ان يكون موحدا ومنسجما اذا اردنا ان يكون ظهيرا للمواقف السياسي لا عبئا عليه.
هل يمكن ذلك؟ بالطبع نعم ، ولكننا نحتاج الى بلورة رؤية واضحة يشارك فيها خبراء معتبرون من علماء وسياسيين واعلاميين ، تكون مهمتهم اعداد مضامين خطط مدروسة لخطاب تتبناه الدولة ، ويحتشد خلفه المعنيون في كافة المجالات، بشرط ان يكون مقنعا ومؤثرا وقادرا على الوصول للمجتمع ، وممثلا لمنطق الدولة ومصالحها ، واحكام الدين ومقاصده، وحاجات المجتمع ومشاعره ايضا..
الدستور 2014-12-28