السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»

تم نشره الثلاثاء 30 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:01 صباحاً
السلطة بين خياري «الحل» و «التفكيك»
عريب الرنتاوي

إسرائيل تهدد بـ “تفكيك” السلطة إن حالت دون استمرار احتلالها للضفة الغربية، والسلطة تلوّح بـ “حل السلطة وتسليم المفاتيح” إن هي أخفقت في تمرير مشروع قرار إنهاء الاحتلال في مجلس الأمن ... معنى ذلك، أن إسرائيل تريد السلطة كوسيلة لـ “لتجميل” الاحتلال وتقليل أكلافه، في حين انعقد الرهان الفلسطيني على “تحول السلطة إلى دولة” ... لا إسرائيل مستعدة لإنهاء الاحتلال ولا الفلسطينيين مستعدون للتخلي عن حلم الدولة وتقرير المصير.
إن لم تكن السلطة “نواة الدولة ومشروعها”، فلتذهب إلى الجحيم، فلس من بين الفلسطينيين من يرغب في أن يكون “ممسحة للاحتلال”، أو “منطقة عازلة” أو “جيبا حدوديا” يحول بينه وبين الشعب الرازح لما يقرب من نصف قرن تحت نير الاحتلال وسيف العدوان وأنياب الاستيطان الحادة ... يبدو أن “تفكيك السلطة أو حلها” هو القاسم المشترك الوحيد المتبقي بين الطرفين المتعاقدين الساميين في أوسلو وواشنطن.
حسناً، لم نكن من أنصار حل السلطة، ودعونا مراراً وتكراراً إلى إعادة النظر في وظائفها وموقعها في النظام السياسي والحركة الوطنية الفلسطينيين ... ولطالما قلنا إن “وقف التنسيق الأمني” سيفُقد السلطة “وظيفتها الإسرائيلية”، وإذا ما أقدمت السلطة على الوفاء بتعهداتها بوقف هذا التنسيق في حال فشل مسعاها في مجلس الأمن، فإن إسرائيل هي من سينقض على هذا السلطة ويعمل على تفكيكها، وإسرائيل وحدها ستتحمل مسؤولية هذا “الانهيار الكبير”، فلماذا يتحمله الفلسطينيون إن كان أعداؤهم على استعداد لتحمل مسؤوليته وأكلافه.
على أية حال، ليس قرار “حل السلطة” أو “تفكيكها” قراراً سهلاً على شرائح واسعة من الفلسطينيين، باتوا يعتاشون على السلطة، وتظهر الوقائع في غزة في ضوء ما بات يعرف بـ “أزمة الرواتب” كم هو قاسٍ ومؤلم، الإقدام على خيار من هذا النوع ... لكن الفلسطينيين في نهاية الأمر، سيجدون أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما الاحتفاظ بالسلطة والركون لحالة التبعية والاستتباع التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني وعشرات ألوف العائلات الفلسطينية، مع كل ما يعنيه ذلك من تهاون أو حتى تبديد لقضيتهم وحقوقهم الوطنية، أو اللجوء إلى خيار المواجهة مع الاحتلال بكل مقتضياته، ومن بينها حل السلطة، وتحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الكارثية المترتبة عليها.
“وهم المفاوضات حياة”، الذي أقنع القيادة الفلسطينية، بإمكانية استرداد الحقوق الوطنية عبر موائد التفاوض مع إسرائيل وفي ظل “الوكالة الحصرية” للراعي الأمريكي، هو ما دفع بالسلطة إلى التصرف كدولة، والتوسع في الانفاق الجاري، وتكريس علاقة زبائنية مع مواطنيها، خصوصاً ألوف المتفرغين من كوادر وقادة الفصائل المختلفة، وهو ما دفع بالشعب الفلسطيني إلى مأزق الخيارات الصعبة والمريرة والمحدودة التي يعيشها اليوم.
كما أن “وهم بناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال”، باعتبارها أقصر الطرق وأنجعها لإنهاء الاحتلال، طيلة سنوات حكومة الدكتور سلام فياض، هو ما أسهم في خلق اقتصاد استهلاكي وعزز ثقافة الاستهلاك على حساب ثقافة الانتاج، لشعب ما زالت يرزح تحت نير الاحتلال، وتنتظره سنوات عجاف من المواجهة القاسية ... لقد نجح الجنرال دايتون ومعه طوني بلير، في خلق جيل من “الانسان الفلسطيني الجديد” المثقل، بأعباء القروض المصرفية، الغارق في ثقافة الاستهلاك، والمبتعد عن خياراته الأساسية في مقارعة الاحتلال ومقاومته، واليوم يدفع الفلسطينيون أفدح الأثمان لتلك الرهانات والأوهام الخائبة.
وإذا كان الفلسطينيون قبل قيام السلطة، قد نجحوا في بناء “اقتصاد مقاوم”، مكنهم من الصمود على أرضهم وممارسة مختلف أشكال المقاومة، فإن وضعهم الحالي -خاصة في الضفة الغربية- يبدو مغايراً تماماً اليوم ... فلم نعد نرى أثراً للاقتصاد المحلي المرتبط بالزراعة والحرف والمشروعات الصغيرة والصناعات المحلية، بل جيلاً من أصحاب “الياقات المنشّاة”، الذين تبعدهم عن الحركة الوطنية الفلسطينية، فجوات الاهتمامات والأولويات والأجيال المتباعدة.
خلاصة القول، إن التطورات على الساحة الفلسطينية، قد تكون متجهة لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل العام 1994 وقيام السلطة، إن لم يكن بقرار ذاتي من الفلسطينيين أنفسهم، فبقرار إسرائيلي مباشر، طالما أن وجود السلطة مشروط إسرائيليا بعدم قيامها بأية أدوار من شأنها وضع نهاية للاحتلال الذي بدأ في الرابع من حزيران من العام 1967، والأرجح أن سيناريو كهذا، سيضع القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي على عتبات مرحلة جديدة نوعياً، ومن يعشْ يرَ.

الدستور 2014-12-30



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات