على أبواب المرحلة "الإسرائيلية"

تم نشره السبت 13 شباط / فبراير 2010 01:45 صباحاً
على أبواب المرحلة "الإسرائيلية"
فهمي هويدي

 

إذا صدقت الإشارات التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة هذه الأيام، فهي تعني أن منطقة الشرق الأوسط تستدرج بشكل حثيث للدخول في المرحلة “الإسرائيلية” .

1

التسخين الراهن الذي يلوح باحتمالات اندلاع الحرب في المنطقة يبدو مفاجئاً . ذلك أن حسابات بداية العام كانت توحي بأن شبح الحرب لن يلوح في الأفق قبل نهاية العام الحالي . وانبنت تلك الحسابات على أساس تقدير الموقف الأمريكي بوجه أخص، ذلك أن ثمة اتفاقاً بين الخبراء على أن أي حرب تشنها “إسرائيل” في المنطقة إذا لم تكن بمشاركة أمريكية فلن تقع بغير موافقة منها، بمعنى أن واشنطن ستكون في كل الأحوال طرفاً فيها، سواء بحكم تحالفها الاستراتيجي مع “إسرائيل”، أو بحكم حساباتها ومصالحها الاستراتيجية المفترضة في المنطقة .

التقدير الذي أشرت إليه وضع في الحسابات العوامل التالية: أولوية الأزمة الاقتصادية الداخلية في أجندة الرئيس أوباما ومشروعاته التي يريد تمريرها من الكونجرس، تحسبه لانتخابات الكونجرس النصفية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل خصوصاً في ظل تراجع التأييد الشعبي له، انتظاره لإتمام انسحاب القوات الأمريكية من العراق الذي يفترض أن يبدأ في شهر أغسطس/آب القادم، ورطة القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان .

كان الظن أن الإدارة الأمريكية لن تتحمس لأي عمل عسكري جديد في المنطقة ما دامت هذه العوامل قائمة . خصوصاً أن احتمالات ردود الأفعال المترتبة عليه واسعة ومحفوفة بالمخاطر، إذ يفترض أن يوجه العمل العسكري إما ضد سوريا و لبنان أو ضد إيران أو ضد الثلاثة في نفس الوقت، والأخيرة هي الهدف الأساسي، لأن تقدم طهران في مشروعها النووي يشكل خطاً أحمر، باعتبار أن من شأن ذلك ظهور قوة ردع حقيقية ل”إسرائيل” تهدد انفرادها بصدارة القوة في الشرق الأوسط . وفي الحسابات “الإسرائيلية” أن توجيه الضربة العسكرية لإيران يستلزم تأمين محور سوريا - جنوب لبنان لتجنب احتمال صدور أي قصف من هذه الجبهة، وخطوة من ذلك القبيل ليست مهمة ل”إسرائيل” فحسب، ولكنها مهمة للولايات المتحدة أيضاً، إذ إن المحور المتمثل في إيران وحزب الله وسوريا، مضافاً إليه المقاومة الفلسطينية التي تتصدرها حركة حماس لا يزال يمثل الرباعي المتمرد على السياسة الأمريكية في المنطقة .

2

ليس سراً أن “إسرائيل” وأذرعها الممتدة في الولايات المتحدة ما برحت تلح على توجيه الضربة العسكرية إلى إيران، ولم يكن هناك خلاف بين الطرفين على المبدأ، وإنما اختلفت التقديرات حول التوقيت والتدابير الأخرى . لكن يبدو أن كفة الحسابات “الإسرائيلية”، أصبحت أرجح خلال الأسابيع الأخيرة، التي شهدت تسخيناً في التصريحات وتصعيداً في الإجراءات المتخذة على الأرض . وترتب على ذلك أن أصبح موضوع الحرب عنواناً رئيساً في صحف الأسبوعين الأخيرين . فتحدثت صحيفة “الشروق” عن حرب “إسرائيلية” متوقعة في عام ،2010 وذكر الرئيس بشار الأسد أن “إسرائيل” تدفع المنطقة إلى الحرب، ونشرت صحيفة “الأهرام” أن مصر طالبت “إسرائيل” بوقف التلويح بالحرب ضد أي دولة عربية . وأضفت تصريحات التهديد التي أطلقها وزيرا الدفاع والخارجية “الإسرائيليان” مزيداً من السخونة والتوتر على الأجواء، في حين تناقلت الصحف أخباراً عن حشود “إسرائيلية” ومناورات عسكرية على الحدود مع لبنان، وأخباراً أخرى عن الاستنفار بين قوات حزب الله واستدعاء سوريا لعناصر “الاحتياط الرابع”، وبعضهم عمال يعيشون في الأراضي اللبنانية . وخرجت علينا صحيفة نيويورك تايمز في (30/1) بتقرير ذكر أن الولايات المتحدة بصدد نشر أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ في دول منطقة الخليج، تحسباً لهجوم إيراني محتمل (رداً على الضربة العسكرية المفترضة)، ذكر التقرير أيضا أن سفناً حربية أمريكية بصدد الانتشار أمام السواحل الإيرانية . وهذا الذي تحدثت به الصحيفة الأمريكية أيده وزير خارجية البحرين، الذي أكد أن الولايات المتحدة نشرت الأنظمة المذكورة، مضيفاً أن وجودها يدخل في نطاق “الترتيبات الدفاعية” . وإذ تزامن ذلك مع الزيارات التي قام بها رئيس المخابرات المركزية الأمريكية لبعض عواصم المنطقة، فإن تلك الشواهد توضح لنا مغزى تصريح عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في باريس الذي قال فيه إن “المنطقة تسير على صفيح ساخن بصورة غير مسبوقة” .

حتى إذا كانت تلك حرب أعصاب، للتخويف قبل الحرب الحقيقية فما يهمنا فيها أن مجمل المسار يمثل استجابة للاستراتيجية “الإسرائيلية” التي لا ترى بديلاً عن إجهاض المشروع النووي الإيراني وتصفية قوى الممانعة في المنطقة، بحيث لا يعلو فيها صوت على صوت “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية .

وسط هذه الأجواء حدث تطوران مهمان في الولايات المتحدة، الأول أن مجلة “تايم” نشرت في 21/1 حواراً مستفيضاً مع الرئيس أوباما لمناسبة مرور سنة على توليه السلطة، عبر فيه عن شعوره بالإحباط إزاء الآمال التي كان قد علقها على جهود إحياء عملية السلام في المنطقة . وقال إنه هون في بداية عهده من الصعوبات التي تعترض تسوية الصراع العربي - “الإسرائيلي”، وأنه لو أدرك طبيعة تلك الصراعات مبكراً ما كان له أن يرفع سقف توقعاته (كان أوباما قد دعا إلى وقف الاستيطان والتوسع النسبي في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، لإطلاق مفاوضات تسوية القضية ولكن “إسرائيل” رفضت وقف الاستيطان) .

الحدث الثاني كانت دلالته أعمق، ذلك أن الرئيس الأمريكي وقف في 27/1 لكي يلقي خطبة الاتحاد، التي تحدث فيها عن أهم التحديات والقضايا الداخلية والخارجية، وجاءت الخطبة في 5700 كلمة، لم تذكر فيها القضية الفلسطينية ولو بكلمة واحدة . وكان ذلك انتصاراً آخر للسياسة “الإسرائيلية” .

3

حين أسقط أوباما الملف الفلسطيني من خطابه الأخير، فإنه أراد أن يبعث بعدة رسائل إلى من يهمه الأمر في بلادنا . أولى هذه الرسائل أن أهمية القضية تراجعت، وصارت هما إقليمياً وليس شأناً دولياً . ثانيها أنه ترك الباب مفتوحاً لما يمكن أن يحققه مبعوثه إلى المنطقة السناتور جورج ميتشل في جولاته المكوكية بين العواصم العربية و”إسرائيل” . الرسالة الثالثة أنه لم يرد أن يضع أي قيد يحول دون تحقيق التطلعات “الإسرائيلية” التي أدرك أن السلطة الفلسطينية والدول العربية “المعتدلة” على الأقل يتعاملون معها بمرونة مشهودة .

كان واضحا أن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو كسب جولته في واشنطن، واستطاع أن يوقف الرئيس أوباما عند الحدود التي أرادها دون أن يدفع ثمناً لذلك، لا من مشروعات التوسع والاستيطان ولا من عملية التهويد المستمرة على قدم وساق في القدس . كما أنه نجح في إقناع الجميع بمن فيهم بعض العرب بأن إيران هي المشكلة وهي مكمن الخطر ومصدره .

نتنياهو لم يهزم الرئيس الأمريكي فحسب ولكنه ذهب إلى أبعد، حين نجح في توظيف نفوذ الإدارة الأمريكية في تكثيف الضغوط على العرب لكي يقدموا مزيداً من التنازلات المجانية ل”إسرائيل” . والهدف من هذه التنازلات هو التراجع عن مطلب وقف الاستيطان . والعودة إلى طاولة المفاوضات “من دون شروط مسبقة”، كما ذكر رئيس الوزراء “الإسرائيلي” . وتدل الشواهد المختلفة على أن هذا الهدف تم الاتفاق عليه، والحاصل الآن هو الإعداد لإخراجه بشكل مقبول، ذلك أن مطلب وقف الاستيطان تم التراجع عنه بصورة تدريجية، أمام تمسك الحكومة “الإسرائيلية” باستمراره رغم مخالفته الصريحة والزاعقة لأحكام القانون الدولي . من ثم جرى الحديث عن “تعليق مؤقت” بحيث لا يشمل القدس أو تصريحات البناء السابقة . (الأمر الذي يعني إقراراً بشرعية ما سبق بناؤه) . بعد ذلك جرى الحديث عن “ضمانات” أمريكية، يمكن تبيعنا كلاماً معسولاً، لكننا نعرف مسبقاً إلى أي جانب ستنحاز في نهاية المطاف .

كلام نتنياهو عن رفض “الشروط المسبقة”، الذي أيدته فيه وزيرة الخارجية الأمريكية، لا يعني سوى أمرين، أولهما التغاضي عن التوسع الاستيطاني والتهويد وغير ذلك من الوقائع التي تفرضها “إسرائيل” على الأرض . وثانيهما تحويل المفاوضات إلى هدف يؤدي إلى تسكين أو تخدير الوضع الفلسطيني والعربي، بدعوى أن جهود التسوية مستمرة . وهذا التسكين يوفر مناخاً مواتياً ل”إسرائيل” لأن تعربد على الجبهات الأخرى من سوريا إلى لبنان وصولا إلى إيران، لتضمن تركيع المنطقة بأسرها .

4

“إسرائيل” مطمئنة إلى أنه في ظل العجز العربي الراهن، فإنها لن تصادف عقبة في تحقيق مرادها . فأبو مازن لم تعد لديه أية خيارات أخرى بعدما أصبح يتباهى بأنه قضى على المقاومة في الضفة الغربية التزاماً منه ببنود خريطة الطريق، وهو “الإنجاز” الذي أسهم فيه التعاون الأمني مع “الإسرائيليين”، أما بقية الدول العربية وفي المقدمة منها ما سمي بمعسكر “الاعتدال” فإنها اكتفت بالمبادرة العربية المفتوحة التي أبرأت ذمتها بإعلانها . ويبدو أنها على استعداد لمراجعة بعض بنودها التي اعترضت عليها “إسرائيل”، وعلى رأسها البند الخاص بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم . في هذا الصدد لا بد أن يستوقفنا تصريح وزير الخارجية المصري عقب اجتماع الرئيس مبارك مع نتنياهو الذي زار القاهرة في 29 ديسمبر/كانون الأول ،2009 الذي قال فيه إن اللقاء كان “إيجابياً للغاية” . وهو ما يعني أن ثمة تفاهماً بين الطرفين (للأسف!) حول العناوين الرئيسة على الأقل .الخلاصة لا هي صعبة أو مستعصية . ذلك أنه بعد استبعاد الخيارات الأخرى، والالتزام بالمفاوضات فحسب، وتسليم مفاتيح القضية للولايات المتحدة الأمريكية التي كفت عن مطالبة “إسرائيل” بشيء، فإن نتائج المفاوضات المرتقبة والتنازلات المرجوة منها تصبح محسومة لصالح الطرف “الإسرائيلي” . خصوصاً أنه ليست لدى الطرف الفلسطيني أي أوراق يضغط بها أو أية خيارات أخرى يلجأ إليها . وهو ذاته الحاصل مع أغلب الدول العربية .

سيناريو الدخول في المرحلة “الإسرائيلية” لا هو أكيد ولا هو مضمون مائة في المائة، لكنه مرجح فحسب . وثمة عوامل ثلاثة يمكن أن تحول دون تحقيق مبتغاه، الأول أن يشعل الرد الإيراني على العمل العسكري “الإسرائيلي” حريقاً يصعب السيطرة على حدوده أو تداعياته . الثاني أن تتغير توازنات الساحة الفلسطينية، سواء بانتفاضة ثالثة في الداخل، أو انتفاضة سياسية في الخارج تعبر عن موقف الأغلبية الصامتة الفلسطينية التي لا هي فتح ولا هي حماس . أما العامل الثالث فهو أن يتغير شيء في المعادلة العربية يستنقذ الأمة من الوهن الذي استسلمت له . وهذه عوامل تختلط فيها التمنيات بالأحلام، لكن ربك قادر على كل شيء، خصوصاً إذا وجد من يستحقون النصرة .

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات