الانتصار على «هدى»

كأننا كنا في حالة حرب في مواجهة «هدى» ؟هذه ليست أول عاصفة ثلجية تتعرض لها المملكة، ولماذا يتعرض الناس الى حالة تعبئة عامة ، وتجييش وترهيب ،وكأننا نخوض حربا عالمية.
لا حاجة للمقارنة مع دول كثيرة، تعيش فترات طويلة من العام في ظروف جوية قاسية جدا،وتسير الحياة فيها كالمعتاد دون هلع ! في عام 1992تعرضت الاردن الى عاصفة ثلجية عنيفة،وكان بامكان من يسكن الطابق الاول في عمان اللعب من النافذة بالثلج المتراكم على ارتفاع يزيد عن متر ! وتم تجاوز تداعياتها بهدوء، حينذاك لم يكن ثمة قنوات فضائية ،أو مواقع تواصل اجتماعي ومواقع اخبارية ،أو مصادر عديدة للتنبؤات الجوية، تغرق الناس بكم هائل من المعلومات والشائعات معظمها من صنع الخيال.
كان المصدر الوحيد للتنبؤ دائرة الارصاد الجوية ،وكان مديرها الراحل الدكتور علي عبندة «رحمه الله»»نجما « إعلاميا في الاحوال الجوية الصعبة،فهو متخصص ومتعمق في هذا الحقل، وكان الناس يترقبون ظهوره على نشرة الثامنة لمعرفة حالة الطقس ،وكان ما يقوله عبنده يتعرض للنقد أو للاستحسان، ومن أقواله:«من أطرف ما يصادفني أن الناس يجعلونني مسؤولاً عن الجو وليس عن التنبؤ عنه، فمثلاً عند تساقط الثلوج أتلقى العديد من المكالمات من المواطنين الذين يحملونني مسؤولية تساقطها، وعند نزول المطر بعد انحباس طويل أتلقى مكالمات من المواطنين يشكرونني على هذا الخبر وكأنني أنا المسؤول عن هطوله».
كانت المنخفضات الجوية ،ترتبط بجزيرة قبرص،فغالبا تكون متمركزة فوقها او شرقها، لأسباب جيوفيزيائية متعلقة بالأرض والبحر وطبقات الغلاف الجوي المحيطة، لكننا اليوم أمام تسميات جديدة ،فهناك عاصفة «اليكسا» و»هدى»التي أسماها اللبنانيون «زينة»..الخ
الأجهزة المعنية نجحت في الاختبار.. فتح الطرق المغلقة ، اصلاح الأعطال الكهربائية، اسعاف المرضى، مساعدة العديد ممن تقطعت بهم السبل،وعائلات في مناطق نائية أو بعيدة عن الخدمات ، وكان التنسيق على مستوى عال،وبدا أن درس»أليكسا» كان حاضرا !
القائمون على ادارة الأزمة يستحقون التحية ، والشكر الأكبر يوجه للجنود المجهولين في الميدان من كافة القطاعات الميدانية والعسكرية.وكانت العاصفة فرصة للمحافظين والمسؤولين، من الصف الثاني والثالث وموظفين ومواطنين للاطلال عبر الشاشات ووسائل الاعلام الاخرى. وكأي عمل انساني لا بد من وجود ثغرات، وعدم القدرة على تغطية المهمات بنسبة مئة بالمئة.
هل كان ضروريا التعبئة والتجييش ,بالاضافة الى النشرات الجوية التي صدرت عن جهات متعددة ، نشرت وسائل الاعلام خلال الأيام التي سبقت المنخفض ،عشرات البيانات والتصريحات عن الجهات الرسمية والاهلية ،تعلن حالة الطوارئ والاستنفار وتؤكد الاستعداد وتوفر المواد الغذائية والمحروقات! أليس ذلك من صلب عمل تلك الجهات في ظروف كهذه ؟ كان بالامكان الاكتفاء بإصدار إرشادات ، وإعلان أرقام هواتف ضرورية لطلب المساعدة عند الحاجة.
فمن المسؤول عن ترهيب المجتمع من خطر «هدى» الداهم ،ودفع غالبية الناس الى التصرف وكأننا في يوم الحشر , تهافت وسباق محموم على شراء وتخزين الخبز والمواد الغذائية واسطوانات الغاز والكاز والسولار ،بما يزيد عن الحاجة بكثير.. خلال ثلاثة أيام فقط قبل «الثلجة» تم بيع 80 مليون رغيف خبز ،وفي يوم الثلاثاء وحده ، تم انتاج خبز يكفي 25 مليون نسمة وفي مناسبة كهذه كانت فرصة لبعض ضعاف النفوس، للتلاعب واستثمار الطلب الهائل على السلع والخدمات، وكان التلاعب بالمشتقات النفطية،أكثر الازمات التي طفت على سطح الازمة.
فموزعو الغاز التي كانت سياراتهم تجوب الاحياء في الظروف العادية بأصواتها المزعجة اختفت ، ولا يكلف سائقيها أنفسهم بالاجابة على هواتف الزبائن ،فالتوزيع صار على مزاجهم، ومن يطلب كمية من السولار لاغراض التدفئة لا يجد،ويقال له أن المشكلة في المصفاة، فيما المصفاة تؤكد أنها تعمل على مدار الساعة ،وبالنتيجة كان الحصول على كمية سولار، كمن يحصل على» جائزة « !
ماذا لو تعرضنا لامتحان أكثر خطورة ؟
الأنانية وضعف وازع التكافل الاجتماعي ،لا يزال مسيطرا على سلوكيات الكثيرين ،ولنتذكر أن العاصفة الثلجية اجتاحت المنطقة كلها، وأكثر المتضررين منها ، هم اللاجئون السوريون وسكان قطاع غزة.
(الرأي 2015-01-11)