الشكر لكل من يستحق الشكر

العاصفة الثلجية كانت اختباراً لنا جميعاً، أفراداً وعائلات، ومؤسسات رسمية وشعبية، ولكل السلم القيادي، ولجميع مستويات المسؤولية، وقد كانت النتيجة هذه المرة ناجحة ومبشرة بالإغراء بتحقيق مستويات نجاح أفضل في المرات القادمة.
كان الاستعداد الحكومي جيداً ومتميزاً من حيث التنسيق وتوزيع الأدوار، وتحقيق مستويات مقبولة من التعاون والمشاركة من مختلف مؤسسات الدولة، ابتداء بالوزارات المعنية؛ الداخلية والأشغال والصحة والبلديات، وكذلك القوات المسلحة، والأمن العام والدفاع المدني والدرك، وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وعلى رأسها مجموعة المناصير.
عندما يكون المرء جالساً في بيته حول التدفئة، وحوله عائلته وقد جهز كل ما يلزم من مواد تموينية مختلفة، ولا يجرؤ على الخروج من باب المنزل، ويكتفي برؤية المنظر من خلال النافذة أو من خلال الشاشة الصغيرة، لا بد أن يستحضر الجهد الذي يقوم به أولئك الجنود المجهولون، في فتح الطرق وإنقاذ المتضررين وتأمين وصول بعض الحالات المرضية الحرجة مثل المضطرين لغسيل الكلى، أو حالات الولادة، أو القيام بإطفاء الحرائق أو القيام بإنقاذ حالات الغرق، ويتحملون الظروف الجوية الاستثنائية فهؤلاء يستحقون الشكر والتقدير، ويستحقون الثناء والإطراء والتكريم.
مواجهة الظروف القاسية تحتاج إلى جاهزية عالية على عدة أصعدة وعلى عدة مستويات، وينبغي أن تبقى هذه الجاهزية في تطور مستمر وتحسين في الأداء ومواصلة استكمال النقص، وأهم جاهزية مطلوبة في المقام الاول هي جاهزية الإنسان والمواطن ، لأن جاهزية الإنسان من حيث امتلاك الثقافة الإيجابية وامتلاك الأداء الحضاري هي التي تهيىء للجاهزية المطلوبة على بقية الصعد ، اذ لا فائدة ترجى من وجود الآلة المتقدمة والأدوات المتطورة في ظل تخلف ثقافي، وفي ظل سيادة الشعور السلبي والنفسية المتردية لدى العامة.
الجاهزية الثانية على صعيد الحكومة والمؤسسات المختصة، من حيث وضع الخطط المسبقة القائمة على دراسات ومعلومات وارقام وإحصاءات صحيحة، وتجارب سابقة ومعرفة ودراية وتخصص ورجال أكفاء في مواقعهم الصحيحة، قادرين على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار الميداني الجريء في وقته المناسب.
الجاهزية الثالثة على صعيد الإدارة التنسيقية المحكمة بين مختلف الأجهزة والقطاعات والمؤسسات على مستوى الدولة، بحيث يتجلى التنظيم وتوزيع الأدوار، ولعل مركز إدارة الأزمات الذي تم استحداثه مؤخرا شكل نقلة واضحة ومميزة في هذه المرّة، مما يجعلنا أكثر اطمئناناً في المرة القادمة نحو مزيد من الإحكام والدقة في مواجهة الظروف الطارئة والاستثنائية.
أما الجاهزية الرابعة فهي على صعيد الأنظمة والإجراءات، القادرة على معالجة الظروف وفقا لحاجات المجتمع، وقادرة على تعقب مواطن الخلل والتقصير، وقادرة على معاقبة المقصر في تحمل المسؤولية، وفي الوقت نفسه قادرة على مكافأة المحسن وتكريم المبدع وتعظيم حالات النجاح وتعميمها.
والجاهزية الأخيرة على صعيد الآلات والأدوات، من حيث الحداثة وملاحقة ما توصل إليه العقل البشري والدول المتقدمة والتجارب الناجحة لدى بعض المجتمعات التي تملك خبرة واسعة في التعامل مع هذه الظروف المشابهة.
ينبغي على كل منصف أن يدقق في البحث عن الإيجابيات؛ من أجل تعميمها وشكر أصحابها، وعدم الغفلة عن مواطن الضعف والخلل من أجل إصلاحها ومعالجتها، وتقديم الشكر لكل من يستحق الشكر.
(الدستور 2015-01-11)