يهود فرنسا.. إسرائيليون أم فرنسيون؟

دعوة بنيامين نتنياهو يهود فرنسا للعودة الى وطنهم «اسرائيل»، بعد مذبحة شارلي ابيدو, ليست جديدة وخصوصا في «المناسبات» التي تعود قادة اسرائيل على استغلالها لتحقيق اهداف سياسية وحزبية ودائما في ارهاب الدول الاوروبية (واميركا ايضا) والغمز من قناة قادتها بذريعة عدم توفير الحماية لليهود وان ما يجري ليس فقط بسبب الارهاب «الاسلامي» وانما ايضا في سيادة مشاعر اللاسامية التي تطل برأسها في الساحات الاوروبية وكان اخرها بالطبع تلك التصريحات الاسرائيلية المتغطرسة التي تلت اعتراف بعض البرلمانات الاوروبية بما في ذلك «البرلمان الاوروبي» بالدولة الفلسطينية رغم انه اعتراف رمزي وغير ملزم للحكومات القائمة الا ان اسطوانة معاداة السامية المشروخة عادت الى الدوران هذه المرة ايضا..
أن يخاطب نتنياهو يهود فرنسا بهذه اللغة المباشرة التي تدعوهم الى مغادرة اوطانهم بكل ما تنطوي عليه دعوته الوقحة هذه, من تدخل في شؤون بلد, يواصل على الدوام الحديث عن سيادته وفضل ثورته التي حملت الشعار الثلاثي حرية، مساواة اخاء، على العالم اجمع، دون ان تقابل بتنديد ورفض وادانة وتسمية ما فعله باسمه الدبلوماسي الصحيح وهو التدخل في شؤوون فرنسا الداخلية، يعني ان هناك من يتقبل هذا التدخل او يمنحه الشرعية او على الاقل يسوغه، وهو امر يزيد من الاعتقاد بأن سطوة قادة اسرائيل على القرار السياسي في بلدان اوروبية عديدة وديمومة تذكيرهم بالمحرقة وغيرها من وسائل وحوادث الابتزاز، لن يزيد سوى العداء لغير اليهودى ومنح اليهود افضلية على باقي مواطني تلك الدول, الامر الذي يستدعي ذلك التواطؤ الذي تبديه دوائر عديدة في الغرب تجاه ازدواجية الولاء في تلك الدول عندما يذهب شبابها (اليهود) للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال وعندما يقتلون او يقعون في الاسر، ترتفع عقيرة هؤلاء منددة ومطالبة الافراج عنهم (او عن جثثهم) تحت طائلة العقاب والمسؤولية، ناهيك عن احتفاظ من يهاجر من هؤلاء الى اسرائيل.. بجنسياتهم الاصلية.
صحيح ان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس رد على دعوة نتنياهو هذه، الا ان الرد كان لينا ولافتا ايضا في محتواه، وبخاصة عندما يصف المسيو فالس يهود فرنسا بانهم «جالية».. اذ قال: ان اليهود في فرنسا هم «اكبر جالية يهودية في اوروبا والاقدم وساهمت الى حد كبير في الجمهورية»..
هذه العبارة تحتاج الى تفكيك وبخاصة في اضفاء صفة الجالية عليها، ومفهوم «الجاليات» في القانون الدولي: هم اولئك القادمون من بلاد معينة، لجأوا او هجرة شرعية ثم تكاثروا وغدوا يشكلون ثقافة وعادات خاصة بهم، تميزهم عن باقي المجموعات الاثنية او العرقية الاخرى لكن في اطار «الدولة»..
فهل اتى يهود فرنسا من اسرائيل حتى يمكن وصفهم بالجالية؟ ام ان «اوروبا» شرقية كانت ام غربية هي اوطانهم الاصلية التي ولدوا فيها وعاشوا قبل ان يتواطأ الاوروبيون مع الحركة الصهيونية لترحيلهم الى فلسطين وتشريد شعبها وتوطينهم فيها تنفيذا لوعد بلفور وخصوصا استغلالا صهيونيا استعماريا لهمروجة «الهولوكوست»؟
هل اصبح يهود اوروبا إثر قيام اسرائيل «جاليات» في بلادهم؟ وباتت اسرائيل هي مرجعيتهم ؟فيما هم كمموا افواه السياسيين وقادة الاحزاب والحكومات كي يفرضوا «قوانينهم» على الجميع ويحرموا انتقاد او دراسة او البحث في صدقية او عدم صدقية الهولوكوست؟ وغدا اي انتقاد لاسرائيل (وطنهم) عداء للسامية واعتداء على الحريات والمعتقدات,تجري محاكمتهم وادانتهم؟
حري بالذين يسوغون لنتنياهو وقاحته هذه واعتبارها مجرد دعاية انتخابية، أن يدققوا جيدا في ما حدث ويحدث, وان يستخلصوا الدروس والعبر، لان منح اسرائيل هذه المكانة «المتميزة» في الغطرسة والاستعلاء واعطاء الدروس في الاخلاق والنقاء الديني, ليس سوى الوجه الاخرمن نهج تشجيع الارهاب والاستيطان والقمع.
(الرأي 2015-01-12)