قتلة عابرون للجنسيات
تكشف التفاصيل التي أعلنها مدير شرطة دبي أن عملية اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح كانت بالغة التعقيد ، فضلا عما سبق وكشفته الدوائر الإسرائيلية من أن ملاحقة الرجل بدأت منذ عشرين عاما ، وأن العملية الأخيرة استغرق تخطيطها ثمانية أشهر.
لكن الجانب الأكثر أهمية في سياق التفاصيل التي كشف عنها المسؤول الأمني هو ذلك المتعلق بعدد الجنسيات التي يتوزع عليها القتلة الأحد عشر (فرنسي واحد ، ألماني واحد ، ثلاثة إيرلنديين ، ستة بريطانيين) ، وإذا قيل إن جميعهم إسرائيليون يحملون تلك الجنسيات ، وأقله يهود ، فإن الأمر لا يختلف كثيرا ، إذ نحن أمام جهاز يستخدم كافة الجنسيات ، وهو يعتبر كل يهودي (الاستثناءات محدودة) في أي مكان من العالم رصيدا له ، فضلا عن أشخاص آخرين يجري تجنيدهم من خلال المال ووسائل أخرى.
نعلم أن معظم عمليات الاغتيال التي نفذت في الخارج بتوقيع الموساد كانت تتم عبر عملاء من أبناء الدول الأوروبية ، وغالبا من اليهود ، فضلا عن إسرائيليين يحملون جنسيات مزدوجة ، إذ أن عدد الإسرائيليين الذي يتمتعون بهذه الميزة لا يكاد يحصى ، بما في ذلك جنسيات دول من أوروبا الشرقية.
لا شك أن خلف هذه الجحافل من القتلة يقف جهاز مهم وقادر يمكنه تدريبهم وتنسيق أعمالهم ، لكن ذلك لا يعني النجاح الدائم ، فإذا كانت هناك عمليات تنجح وتكشف أو يُعلن عنها ، فإن ثمة عشرات العمليات الأخرى الفاشلة ، وعندما تستغرق ملاحقة المبحوح كل ذلك الزمن ، ومثله عماد مغنية وسواهما ، فذلك ليس دليل نجاح بالتأكيد ، ونعلم أن السيد حسن نصرالله مُستهدف منذ سنوات طويلة ، لكنهم لم ينجحوا في الوصول إليه ، ونتذكر بالطبع عمليات فاشلة أخرى تتصدرها محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان "القتلة كانوا يحملون جوازات سفر كندية".
كل ذلك لا يغير في طبيعة هذا الجهاز الإجرامية ، ولا في استسهاله استخدام جوازات السفر أوروبية وغير أوروبية في سياق تنفيذ عملياته ، الأمر الذي يستحق وقفة من الدول المعنية ، وقبل ذلك من الدول التي تقع تلك الجرائم على أرضها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ، هو هل ستتجاوب الدول المعنية مع مطالب دولة الإمارات بتسليم القتلة الذين عُرفت أسماؤهم وصورهم؟ الأرجح أن ذلك لن يتم بذرائع مختلفة ، من بينها القول إنه ليس ثمة مواطنين بهذه الأسماء ، أو أن الجوازات مزورة ، إلى غير ذلك ، بينما الحقيقة أن الأمر لا يعدو شكلا من أشكال التواطؤ المكشوف مع الدولة العبرية. وإذا كانت فرنسا "شيراك" قبل ساركوزي "الأكثر صهيونية في تاريخ الإليزيه" قد خشيت من مغبة كشف ملابسات اغتيال ياسر عرفات رغم معرفتها بأنه قتل مسموما ، فإن الموقف من قتلة المبحوح لن يختلف بحال.
هذه دولة مدللة ، وهي بقوتها السياسية تخترق دوائر السياسة والأمن في عدد كبير من الدول الغربية ، ولذلك لم يكن غريبا أن تتوزع الجنسيات على عدد من الدول التي يتمتع الصهاينة أو "المتصهينون" فيها بثقل سياسي.
تبقى قصة الرجلين الفلسطينيين اللذين قيل إنهما تعاونا مع مجموعة الاغتيال ، وهذه لا يجب ، كما قال أسامة حمدان ، أن تلفت الانتباه عن الجهة المسؤولة عن الجريمة ، وحتى لو كان أحدهما أو كليهما من دوائر السلطة ، فالأرجح أن يكون عمله شخصيا ، وليس بتكليف من مسؤولين في الأجهزة. لا نقول ذلك من باب حسن الظن ، فنحن إزاء سلطة لا تخجل من التنسيق الأمني ضد المقاومة ، ولكن لأننا نرجّح أن الموساد لن يكشف بضاعته أمامها ، أما القول بأن ثمة اختراقا في دوائر حمساوية ذات علاقة بالرجل ، فذلك أمر يصعب نفيه ، لكن المؤشرات لا تدل عليه ، ولو توفر ذلك الاختراق لبقي في سياق توفير المعلومات وليس في سياق التنفيذ المباشر.
أيا يكن الأمر ، فالحرب بين رجال المقاومة وبين القتلة والغزاة مستمرة ، ولن تتوقف ، كما لن يتوقف الرجال عن مزاولة أعمالهم ، لأنهم ببساطة اختاروا هذا الطريق بمحض إرادتهم ، ويعرفون الثمن الذي عليهم أن يدفعوه ، وشعارهم كان ولا يزال شعار الشهيد الشيخ عزالدين القسام: "إنه جهاد ، نصر أو استشهاد".