هناك جنة على الارض

نظرة عميقة الى وجهي، الشقيقين شريف وسعيد كواشي، ومعهما حياة بومدين، (منفذو جريمة مجلة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة) يكتشف المرء فيها بكل بساطة حجم البؤس والحزن المحفور في عيونهم، فيعتصر القلب حزنا، كيف تحولت هذه النماذج من ضحايا الى ارهابيين، ومَن هو المسؤول عن كل هذا الارهاب المزروع في عقولهم من دون ان تكون لهم خلفيات اجرامية؟.
هؤلاء أنموذج من الشباب العربي الذين ثاروا على انظمة الظلم والاستبداد، بعد أن عاشوا حجم الذل والمهانة وارهاب الدولة عشرات السنين، فرفعوا شعارات الربيع العربي مطالبين بالحرية والخبز والديمقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية والمواطنة والتنمية المستدامة، لكنهم اصطدموا بانظمة عربية لا يمكنها مقاومة الغرب الاستعماري لانها تابعة له اقتصاديا وسياسيا، ولهذا وصلوا الى مرحلة اليأس.
لم يدُر في خُلد آلاف الشباب العربي الثائرين في الميادين قبل اربع سنوات، ان بعضهم سينتهي بهم المطاف الى ارتكاب فعل الارهاب، ضدّ بني جلدتهم، يأسًا وقنوطًا من إمكان العيش في جنة الحياة التي يحلمون بها، والتي ناضل اباؤهم واجدادهم لتحقيقها، أملًا بالعيش في ظل قيم الحرية والمساواة والكرامة الانسانية.
لنتذكر جيدًا، الموجات الشبابية الاولى التي خرجت في تظاهرات سلمية من اجل التغيير في البلدان العربية؛ وكيف قوبلت بحفاوة بالغة داخل مجتمعاتها وخارجها.. وهي لم تكن تنشد اكثر من انتشال بلدانها الغارقة في ظلمات الجهل والفقر والتهميش؛ وفتح آفاق لمستقبل انساني مزدهر تستحقه الشعوب العربية والاجيال القادمة.. حينها أُعلنت حرب من نوع خاص.. فقد استنفرت القوى المضادّة للثورات قواها وتحالفت مع الشيطان لإجهاض مطالب الثورات او تطويقها او حرفها عن مساراتها السلمية، حتى يسهل الانقضاض عليها… وتشويهها واستخدامها في مشروعات مشبوهة.
لقد استمعت منذ ذلك الوقت بتركيز الى مجموعات كثيرة من الشباب واستطيع ان أُلخّص بأمانة ما يشعرون به – بعد الإنعطافة الحادة في مسار الثورات -:
فهم يائسون من امكان ان تتصدى الانظمة الحاكمة للمشروعات السياسية المشبوهة في منطقتنا، او للتحديات التي تواجه اوطانهم.
واستبدّ بهم اليأس ايضًا بعد التجربة المريرة لجماعة الاخوان في الحكم.
وفي اطار البحث عن حلول جادة وانقاذية، لم تنفتح أمامهم بعد آفاق الحلول الديمقراطية وامكان شق الطريق امام الدولة "المدنية" الحامية للتعددية والحريات وحقوق الانسان.
ويزداد الحنق والغضب على الغرب الاستعماري الذي يتبنّى نظامّا سياسيا مدنيّا لشعوبه، واستعماريًا في مواجهة شعوبنا.
مقاومة الارهاب بحاجة الى منظومة اصلاحية متكاملة تتوجه للشباب، فهم الذين يحدّدون مستقبلنا وهم الامل الجميل عندما يستقيم العقل والتفكير، وكذلك فهم اوّل من يضلّون الطريق اذا ما تكالبت قوى الشر في مواجهة احلامهم بالتغيير.
دعونا نفكرّ للمدى البعيد، وننحاز فقط لمستقبل وطننا وشعبنا وشبابنا، بعيدًا عن الاستقطاب او الوقوف على مقاعد الحياد والانتظار.
لا يمكن مواجهة الافكار الارهابية عند التنظيمات التكفيرية الا ببث الروح من جديد الى مطالب الثورات العربية، حتى نرفع الاحباط الذي اصاب الشباب العربي، الذين نزلوا الى الشوارع قبل سنوات في مواجهة انظمة الفساد، يطالبون بالعدالة، فاختطفتهم تيارات انتهازية ترفع شعارات اسلامية، لكنهم في النهاية، وجدوا انفسهم في حضن تنظيم داعش، الذي زرع في عقولهم وقلوبهم ان لا جنة على الارض وتكفي جنة السماء.
(العرب اليوم 2015-01-15)