عملاء الموساد من عمان إلى دبي
التعاون الأمني بين الأردن وشرطة دبي والذي أثمر عن تسليم ضابطين يعملان في أجهزة أمن السلطة شاركا في اغتيال الشهيد محمود المبحوح يستحق الإشادة. والرأي العام الأردني بأمس الحاجة للاطلاع على تفاصيل جديدة حول عميلي الموساد سواء أثناء تواجدهما في الأردن أو في دبي أو فلسطين المحتلة.
ولا ريب أن اعتقالهما وتسليمهما إلى دبي أثار غضب الموساد، فهما يشكلان من ناحية قضائية وسياسية دليلا دامغا ضد المجرمين، كما أنهما يمتلكان معلومات مهمة عن الجريمة وأدواتها وربما يكشفان عن مزيد من العملاء، والأهم أنهما يقدمان تصورا واضحا لطبيعة عمل الموساد في البلدان العربية.
وعلى شح التفاصيل، يظل إلقاء القبض على العميلين إنجازا كبيرا يسجل لشرطة دبي والجهاز الأمني الأردني ( للعلم ضاحي خلفان قائد شرطة دبي خريج الكلية الشرطية الأردنية)؛ فقد كان سهلا عليهما تغيير ملامحهما واقتناء جوازات سفر وبطاقات هوية مضللة.
المؤسف، أن تستغل الحادثة لتشويه صورة حركة المقاومة الإسلامية حماس باعتبارها حركة مخترقة، والمؤسف أكثر استهداف الإعلام وتحديدا الجزيرة في حملة التشويه. فحماس مثل أي حركة مقاومة تظل عرضة للاختراق، سواء في الداخل أو الخارج، لكن الجو العام لها هو ممن باعوا أنفسهم لله ونذروا حياتهم للشهادة. للتذكير هنا، تمكن محمد أبو سيف الأعزل من اعتقال عميلي الموساد في عمان وتسليمهما للشرطة بعد محاولة اغتيال خالد مشعل، لأنه طلب الموت في تلك اللحظة، ولم يعبأ بإمكانية قتله فكانت النتيجة المحافظة على حياته وحياة خالد مشعل.
لقد تعرض الشهيد لمحاولتي اغتيال من قبل، ولم يكن نكرة. الإسرائيليون يعرفون وجهه وصوته من أيام وجوده في غزة، وبقاؤه سالما خلال عقود من الملاحقة شكّل أسطورة تدرّس للأجيال، سيما أنه لم يختر الاستراحة، ولا حتى التواري والعمل في الظل، وإنما كان في المقدمة، لا يعرف الخوف ولا التردد.
تشكل سيرته ملحمة حقيقية ليس في بداياتها عندما تمكن وفي ظل الاحتلال من أسر ضابط وجندي إسرائيليين، وإنما في خاتمتها، فقد كان أحد أبرز المسؤولين عن تزويد المقاومة بالسلاح، من عقد الصفقات في أصقاع العالم ، مع دول وتجار ومافيات.. إلى أن تصل أيدي المقاومين. وهو الذي أدخل صواريخ غراد إلى غزة. من شاهد فيلم شرطة دبي يلاحظ مدى استهتار المبحوح، فلو غير المصعد لما تمكن الموساد من معرفة غرفته، وكان بإمكانه الحجز في أكثر من غرفة والتمويه على من يتابعه وهو ما لم يفعله. الخطأ الأكبر كان السفر من دون المرافق الذي تأخرت تأشيرته، ولو كان المرافق معه لربما تفشل العملية كما فشل الكثير قبلها.
في مقابلته مع الجزيرة التي أجراها المخرج الشاب صهيب أبو دولة لثلاثية وثائقية عن صفقات التبادل كشف المبحوح عن تعرضه لثلاث محاولات اغتيال، وخلص إلى "بنعرف إيش الثمن تبعه وما عندناش أي مشكلة، رب العالمين يصطفي منكم شهداء، إن شاء الله ربنا بيمكننا أكثر وإن شاء الله ننول الشهادة". والحمد لله أن أجزاء من سيرة الشهيد وثقت قبل استشهاده لتظل نبراسا للأجيال، أما المخاطرة الأمنية في التعامل مع التلفزيون فتظل قائمة، وقد قابلت الجزيرة جميع المطلوبين لإسرائيل، ولأميركا، والإعلام ليس شركة حماية للمطلوبين. بقي توضيح مهم حول مقابلة المبحوح أنها جرت بتاريخ 25 - 2 العام الماضي، وكان ملثماً. وهي منشورة على النت خلافا لما اختلقته بعض الصحافة.
yaser.hilala@alghad.jo