التوحش في أبشع صوره.. فرنسا في قبضة اليمين

يختصر بعض الليبراليين العرب الجدد والعلمانيين والمستغربين صورة فرنسا في جوانب تتعلق بالرقي والجمال فهي عندهم بلد الأزياء والعطور والشعر وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار والسينما الأوروبية وآلان ديلون وكاترين دينوف وماري ماتيو والمقاهي والمطاعم الفاخرة والسمراوات.
وهذا أمر لا ينكره أحد، وتنفق فيه مع قائليه، لكنها أيضا بلد مغرق تاريخه في الهمجية والتوحش، ليس فقط أبان الحقبة الاستعمارية التي شهدها عالمنا العربي بعد اتفاقية سايكس بيكو سيئة الذكر والسمعة، وما شهدته القارة الإفريقية بعد الحرب العالمية الأولى، وإنما هو حاضرة الآن أمام سمعنا وبصرنا.
دعونا نتذكر فرنسا ذات التاريخ الاستعماري المغرق في الهمجية والتوحش في الجزائر وتونس والمغرب، دعونا نستعيد في ذاكرتنا عمليات القتل والإبادة الجماعية التي مورست في دول المغرب العربي، وكيف كانت تجمع جماجم الشرفاء من أبناء أخوتنا العرب وغير العرب في هذه الدول وتؤخذ الصور التذكارية لجنرالات وجنود فرنسيين وهم يستعرضون قيمهم وأخلاقهم فوق الرؤؤس المقطوعة، هذه الصور التي طبعت فيما بعد على طوابع بريدية تخلد هذه الذكرى البشعة وغيرها من أفعال لا يصدقها العقل البشري من شدة بشاعتها.
ولن نذهب أكثر من ذلك فيما يتعلق بالحقبة الاستعمارية فسوريا وحدها مثلا تحتاج إلى مجلدات لذكر جرائم فرنسا فيها، لذلك سنختصر المسافات وندخل مباشرة على المشهد الفرنسي في العامل العربي الآن، ففرنسا هي التي قادت العملية العسكرية في ليبيا لإسقاط نظام معمر القذافي، وهي مسؤولة عن الفوضى في هذا البلد العربي، وفرنسا هي التي استباحت مالي ونيجيريا تحت ذريعة محاربة «المسلمين المتشددين» مثل جماعة «بوكو حرام»، وتحت هذه اليافطة الدعائية قتلت فرنسا مئات المسلمين في مالي ونيجريا والصومال لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد ب»الإرهاب» أو غيره.
فرنسا التي تقاتل في سوريا وفي العراق وفي أمكان أخرى من عالمنا العربي والعالم الإسلامي، فرنسا التي تحولت إلى دولة تدير الحروب بالوكالة، فرنسا التي كلما انطفأت حرب عادت وأشعلت نارها من جديد، حرب تلد أخرى، وحرب تغذي أخرى، سلسة طويلة من الكراهية كانت نتيجتها ما حدث يوم الأحد في صحيفة «شارلي ابدو» وما يحدث وما سيحدث حاليا في فرنسا وفي أوروبا، فرنسا هي التي أدخلت الدب إلى كرمها، وإلى الحديقة الخلفية لأوروبا.
فرنسا متورطة حاليا في حروب ليست في مصلحة الشعب الفرنسي خصوصا وأن الحكومة الفرنسية، تواجه أزمة كبيرة في الميزانية، ولم تعد قادرة على تحمل تكلفة الإبقاء علي ترسانة أسلحتها النووية، وأصبح كابوس فرنسا الوطني الجديد هو أزمة الديون السيادية والأداء الاقتصادي المتردي في الساحة الدولية، إضافة إلى «الإرهاب» الذي خرج من العباءة الفرنسية، فمعظم الذين ارتكبوا أعمالا وصفت بـ«الإرهابية» ولدوا وكبروا في فرنسا ولا يعرفون من العربية شيئا.
فرنسا تقع في قبضة اليمين دون أن تقدم حلا واحدا لمشكلة «التطرف» والإرهاب» و«الحزب الاشتراكي» بقيادة فرانسوا اولاند يتحمل وحده المسؤولية.
(السبيل 2015-01-18)