"علاقتنا بإسرائيل..." والإدارة بالقطعة

واحدة من مشكلات إدارة الصراع العربي-الإسرائيلي، وخصوصاً الفلسطيني-الإسرائيلي، أنّه يُجرب بأسلوب "الإدارة بالقطعة"، بل وحتى العلاقات الفلسطينية تجرب وفق الطريقة ذاتها، مع الكثير من الحلول المرحلية، وأخذ خطوة وانتظار رد الفعل والنتائج قبل الإقدام على خطوة أخرى، أو التراجع عن تلك الخطوة.
عندما بدأ حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الذهاب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بقرار يحدد موعداً لإنهاء الاحتلال، تم التلويح، صراحةً حيناً وتلميحاً حيناً آخر، بوقف التنسيق الأمني إذا فشل المسعى في الأمم المتحدة، لكن لم يجر عمليا أي وقف للتنسيق الأمني، بل جرى الدخول إلى منظمات وهيئات دولية أهمها المحكمة الجنائية الدولية.
قال مسؤول التفاوض الفلسطيني
د. صائب عريقات، أمس الاثنين، إن العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية "لن تكون كما كانت عليه" قبل توقيع صكوك الانضمام الفلسطيني للمحكمة الجنائية الدولية. وشدد في بيان له، أنّه قد "وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة في العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، في أعقاب العقوبات الجماعية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتهديدات التي تطلقها ضد القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمؤسسات الدولية".
أمس أيضاً، نقلت صحيفة "القدس العربي" عن مصدر فلسطيني، أنّ طاقما قياديا فلسطينيا، يضم مسؤولين سياسيين وأمنيين، يُجري، بناءً على تكليف من الرئيس الفلسطيني، بحثا جديا لوقف كل أشكال التنسيق الأمني مع إسرائيل، واقتصارها فقط على "الأمور الحياتية"، على أن تبقى جهة الاتصال الوحيدة لدى هيئة الشؤون المدنية، كرد على عقاب إسرائيل بوقف تحويل عوائد الضرائب، وضمن الاستعدادات لتقديم طلب جديد لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال.
من الجيد لو تم نفي خبر "القدس العربي"، لأنّ التنسيق الأمني لا يجب أن يرتبط بالسرقة المالية التي يمارسها الجانب الإسرائيلي للأموال الفلسطينية وحسب، بل أن يأتي ضمن استراتيجية متكاملة، كالتي أشير لها سابقاً من الرئيس الفلسطيني بربط عدم انتهاء الاحتلال بذلك؛ ولأنّ ربط الأمن والتنسيق الأمني بالشؤون الحياتية اليومية، على أهميتها الشديدة، غير موفق، فالتنسيق الأمني بدأ باعتباره ترتيبا مؤقتا لمرحلة انتقالية.
لعل أحد الأماكن التي يبدأ الشخص بالاستماع لكلمة "تنسيق" فيها، هي عندما يصل الحدود الفلسطينية التي يسيطر عليها جيش الاحتلال. هناك، يرى شخصا، أو أشخاصا، قد يكونون مسؤولين أو عائلاتهم من رجال ونساء وأطفال، يتجاوزون طوابير التفتيش (طبعاً يتم تفتيشهم بالطريقة نفسها، ولكن من دون طابور). وتعتقد شريحة لا بأس بها من الفلسطينيين أنّ مثل هذا التنسيق لبعض هذه التسهيلات الصورية والامتيازات الشخصية، هي سبب معارضة البعض لوقف التنسيق الأمني.
بعيداً عن هذه الفرضية بخصوص المصالح الشخصية، وبعيداً عن الربط بإجراءات إسرائيلية عقابية، سيكون مجدياً أكثر لو تم إعلان رزمة مراجعات فلسطينية. ولعل قرار قاض فلسطيني، مؤخراً، بطلان اتفاق أوسلو في جزئية عدم جواز محاكمة الإسرائيليين في المحاكم الفلسطينية، هو نموذج لما يمكن أن يتم من مراجعات، على صعيد مركزي ووطني عام، وبقرار رسمي (أشارت تقارير إعلامية إلى أنّ القاضي أحمد الأشقر، الذي أصدر القرار، تم نقله من موقعه كقاض جزائي إلى قاضي تنفيذ، وهو ما يعني عدم اختصاصه في إصدار الأحكام والنظر في الدعاوى القضائية، وفهم على أنه عقاب للقاضي).
فالإسرائيليون، كما أشارت القيادة الفلسطينية خلال مداولات الذهاب للأمم المتحدة، خرقوا اتفاقيات أوسلو مراراً؛ بدءا من انتهاك مناطق (أ)، إلى منع التواجد الفلسطيني على المعابر والحدود، إلى استخدام الأموال الفلسطينية رهينة بين أيديهم لفرض إملاءات سياسية. وبالتالي، فإنّ إعلان مراجعة شاملة للعلاقة مع الإسرائيليين، أمر يستحق التنويه، ويستحق أن يكون شاملاً، مرتبطاً بمجمل توقف عملية التسوية، وبالسياسات الاستيطانية الإسرائيلية. ويمكن البدء بخطوات من نوع وقف استخدام امتيازات التنسيق الأمني للبعض، من قبيل المبادرة إلى رفض بطاقات "VIP"، ووقف تنسيق التسهيلات "لكبار الشخصيات"، فضلا عن التوجه للمنظمات الدولية جملةً، حتى لا يكون كل أمر خاضعا للابتزاز الدائم. فقد تمت تجزئة مسيرة عضوية الأمم المتحدة ودخول المنظمات الدولية كثيراً. بل ويمكن العودة إلى قطاع غزة، للتوصل لاتفاق تنفيذي شامل للمصالحة، بدل الاختلاف على كل "قطعة" من الاتفاق.
(الغد 2015-01-20)