توحيد الجبهة الداخلية
هناك لغة مشتركة بين كل السياسيين الأردنيين، سواءً على الصعيد السياسي، أو على صعيد المعارضة، أننا في الأردن نمر بمرحلة تتسم بالخطورة غير المسبوقة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي الذي يعاني من صعوبات جمّة، وعلى رأسها عجز الموازنة الذي يتعدى المليار، فضلاً عن المديونية المتزايدة التي تلتهم توفير الإنتاج القومي بالإضافة إلى تحديات أخرى كثيرة على الصعيد السياسي تتصدرها العملية السياسية المتعثرة في ظل حكومة صهيونية يمينية متطرفة وعلى الصعيد الإقليمي تتزايد الضبابية حول مستقبل المنطقة في ظل التحشيد الأمريكي ضد إيران.
على كل حال لا بد من إلقاء نظرة هادئة على صعيدنا المحلي الأردني، من أجل رصد مستقبلنا في ظل المخاطر والتحديات من جهة والفرص والإمكانات من الجهة الأخرى.
فلو بدأنا بالنقطة التي تحظى بالإجماع لدى جميع الإتجاهات مهما اختلفت رؤاها ومناهجها، أنه لا بد من توحيد الجبهة الداخلية، ليصبح الأردن من داخله قلعة صمود موحدة تنتفي منها الاختراقات والثقوب التي تجلب الريح وبرد الغرب الذي يوجع القلب.
توحيد الجبهة الداخلية أمر ميسور ويحمل كل إمكانيات التحقق في ظل توفر صدق النوايا، وصدق الانتماء لهذا الوطن، مع مراعاة أبسط قواعد المنطق: البدء أولاً بحوار داخلي جاد بين الطرف الرسمي وأصحاب القرار، وبين كل الأطراف والجهات الداخلية التي تعيش الهم الوطني ولها رؤيتها ونظرتها التي تمّ تشكيلها والتعبير عنها في كل المناسبات الوطنية الصغيرة والكبيرة.
والحوار المطلوب يجب أن يستند إلى أجندة واضحة وبنود محددة، ويتطلب إجابات شافية على مختلف الأسئلة والاستفسارات المنبثقة من القضايا الكبيرة والجوهرية، مع التأكيد على وجود تهيئة البيئة المناسبة للحوار ليكون هادئاً وصريحاً وإيجابياً بعيداً عن الإعلام والاستعراض ومنهج تسجيل النقاط.
والحوار ينبغي أن يشمل جميع الفعاليات من أحزاب وقوى سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، وشخصيات وطنية معروفة بفكرها وثقافتها وقدرتها على بلورة طروحات ناضجة وتستحق النظر والنقاش بعيداً عن منهج الإقصاء والاستبعاد والاستفراد.
ويمكن أن يتم الحوار بخطوط متوازية، بعد اختبار الملفات الساخنة حسب الأولوية والأثر على مستقبل الوطن والأمة، وأن يتم البدء بالأولوية الداخلية على صعيد التوحيد والتصليب من أجل مواجهة التحديات الخارجية.
التحدي الأول يكمن في الإتفاق على صيغة واضحة قادرة على ترجمة شعار المشاركة الشعبية بشكل فاعل ومؤثر، بمعنى يجب الإجابة عن سؤال: ما هي الصيغة المفضلة والممكنة التي تجعل الشعب الأردني قادراً على تقرير مصيره عبر ممثليه الذين يتسمون بالكفاءة والأمانة والإخلاص، بعد الإجابة عن سؤال ضروري، وضمني: ما هي أحسن صيغة قادرة على فرز الأكفأ والأكثر أمانة وانتماءً ويحظى بالثقة لدى الغالبية العظمى من شعبنا الواعي والذكي.
وبعد ذلك نحن بحاجة إلى تقرير مواصفات الإطار القادر على جمع مكونات الشعب الأردني بلا استثناء، وبلا ظلم وبلا شعور بالإقصاء والإهمال.
إنّ هذا الإطار يجب أن يكون قادراً على إرسال رسائل الاطمئنان إلى كل المكونات، من أجل الوصول إلى هدف توحيد الجبهة الداخلية بجدية وواقعية، وينبغي أن تخلو من الغموض الذي يبعث على القلق أو الشك أو الريبة لدى أي طرف مهما كان حجمه، وفي الوقت نفسه ينبغي البعد كل البعد عن نفس المحاصصة، التي تكرس الفرقة بين مكونات هذا الشعب، ولا نسير به نحو الوحدة الحقيقية بكل معانيها الفاصلة.
إنّ شعار المشاركة والوحدة هو الذي ينبغي أن يكون الإطار الثقافي الذي نستقي منه جميعاً، قيم العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأن يكون هذا الشعار أهزوجة على ألسنة الأجيال من أجل امتلاك القدرة والعزم على تجاوز المخاطر.