(لا أبرّئ الغرب الذي قتل اليهود)
تم نشره السبت 20 شباط / فبراير 2010 02:54 صباحاً
في 1987 ضبطت حقيبة ضمت جوازات سفر بريطانية مزورة داخل كشك هاتف في ألمانيا، وتعهدت إسرائيل بعد ثبوت علاقتها بالحقيبة للحكومة البريطانية بعدم استخدام جوازات سفر بريطانية في أي عمليات سرية لها في المستقبل.
إسرائيل أخلّت بتعهدها كما تثبت عملية دبي التي راح ضحيتها محمود المبحوح، أحد قادة حماس، والسبب الأول والأخير للجرأة الإسرائيلية إدراك مجرمي الحرب الذين تتألف منهم كل حكومة إسرائيلية أنهم سينجون من العقاب. في سنة 1987 أمرت رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر بإغلاق محطة الموساد في لندن، إلا أن الإغلاق لم يستمر طويلاً، بل إن نشاط الموساد لم ينقطع لأن جواسيسها عملوا تحت غطاء آخر.
واليوم دعا رئيس الوزراء غوردون براون الى تحقيق، إلا أنني أجزم بأن التحقيق لن ينتهي الى أي قرار يؤذي مصالح إسرائيل حتى لو ثبتت التهمة ضدها في شكل نهائي، وهي تهمة تشمل تعريض أرواح مواطنين بريطانيين للخطر. ويبدو أن هذا رأي المعلق الإسرائيلي إيتان هابر الذي كتب في «يديعوت أخرونوت» مؤيداً الإرهاب، ورأيه أن الدول الأوروبية قالت ما تريد ولن تقول أو تفعل أكثر من ذلك.
الأميركيون خسروا خمسة آلاف شاب وشابة في حرب إسرائيلية بالكامل على العراق، والبريطانيون خسروا مئات من جنودهم مع الأميركيين. واليوم تهدد أرواح مواطنين بريطانيين وتبدأ الحكومة البريطانية تحقيقاً أصر على أنه لن ينتهي الى شيء، ومن يعش يرَ.
يحدث كل هذا ورئيس الموساد إرهابي معروف هو مائير داغان شريك آرييل شارون في جرائمه، من قتل المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال في قطاع غزة في السبعينات، وحتى اليوم.
يحدث هذا ومجرمة الحرب تسيبي ليفني تريد أن تأتي الى بريطانيا لتعتقل مع وجود مذكرة توقيف بحقها صادرة عن قاضي تحقيق بريطاني لدورها في الحرب على قطاع غزة السنة الماضية، وهي تعتقد أن اعتقالها سيؤدي الى تغيير القوانين البريطانية التي تنص على أن جرائم الحرب يلاحق المتهم بها في أي مكان من العالم وليس حيث ارتكبت الجريمة فقط.
أعتقد أن تغيير القانون البريطاني، وهناك مثله في إسبانيا ودول أوروبية كثيرة أخرى، لن يحدث قريباً بعد الإرهاب الإسرائيلي الأخير، وربما ما كان التغيير حصل في جميع الأحوال، فعدد كبير من أعضاء البرلمان البريطاني يعارضونه، وقد وقّع 117 عضواً، غالبيتهم من العمال، رسالة تدافع عن القانون. ولعل هؤلاء النواب يتابعون خبراً زعم أن الموساد أبلغت وزارة الخارجية البريطانية مسبقاً عن العملية في دبي.
إسرائيل تريد أن تبقى فوق أي قانون، وجرائم الحرب قد تطاول كمبوديا ورواندا والصرب، إلا أنها لا تصل الى إسرائيل رغم أنها ولدت في الجريمة وتواصل ارتكابها كل يوم وحتى اليوم، ثم تتهم ضحاياها بما فيها.
وفي حين أنني ألوم العرب والمسلمين على ضعفهم وهوانهم على الناس، فإنني لا أبرّئ الغرب الذي قتل اليهود ثم ابتلانا بإسرائيل، وهو يغض النظر عن كل جريمة لها فالإرهاب ضد رجل واحد في دبي سيُنسى كما أن إرهاب بنحاس لافون ضد مصالح أميركية وبريطانية في مصر طوي حتى أن الفضيحة بالانكليزية أصبحت قضية affair وليست فضيحة scandal.
لاحظت في خطاب الرئيس جمال عبدالناصر الذي أعلن فيه تأميم قناة السويس، والذي أشرت إليه قبل يومين أن الرئيس الراحل يقول إن العصابات التي تحولت الى دولة تتحول مرة أخرى اليوم الى عصابات.
إسرائيل لم تصبح دولة يوماً ولن تصبح دولة طالما أن أصحاب الأرض المسروقة لا يعترفون بها، فهم وحدهم يستطيعون أن يعطوها صك الشرعية، ثم ان العصابات الإرهابية التي كانت وراء قيام إسرائيل تسلمت الحكم فيها، وكل رئيس وزراء إسرائيلي مارس الإرهاب من بن غوريون وحتى بنيامين نتانياهو اليوم. والأخبار عن هؤلاء ليست رأياً لكاتب عربي وإنما هي حوادث معروفة بأسماء مرتكبيها وضحاياهم، وتواريخ الجرائم الإسرائيلية التي أصبحت في السنوات الأخيرة مسجلة بالصوت والصورة، وبما لا أحتاج أن أعود إليه أو أذكّر القارئ به لأنني لن أقول له شيئاً لا يعرفه.
هذا القارئ يعرف أيضاً أن إسرائيل لم تُعاقب على جريمة ارتكبتها في السابق لذلك أرجح أنه يشاركني الرأي أنها لن تُعاقب هذه المرة، وأنها سترتكب في المستقبل مزيداً من الإرهاب، ويقوم صحافيون في الميديا الليكودية الأميركية والكونغرس لتبريره واتهام الضحايا. وقد قرأت في الصحف الإسرائيلية هذا الأسبوع فيضاً من تأييد الإرهاب، ما يعني أن هناك في إسرائيل مجتمعاً إرهابياً لا يمكن التعامل معه بل يجب عزله كوباء حتى يشفى.
العصابات لم تتحول الى دولة وتعود الى عصابات، وإنما أسست في إسرائيل جريمة ضد الإنسانية.
khazen@alhayat.com