تهديد بالحرب .. أم ردع متبادل؟
عندما اجرت اسرائيل في صيف العام الماضي اكبر مناورة عسكرية في تاريخها تحت عنوان (نقطة تحول) وضعت في الحساب بأنها ستواجه وابلا من الصواريخ تنطلق من غزة وجنوب لبنان وسوريا وايران ، وقد قدرت ان الحرب المقبلة لن تكون مواجهة عسكرية فقط وانما هي حرب تدمير متبادل يترتب عليها اصابات لاعداد كبيرة من المدنيين ، وبالرغم من أن اسرائيل تهتز لقتل او اسر جندي واحد او اصابة مدني واحد ، فانها وضعت فرضية تقول باحتمال ان تصل خسائرها الى عشرة آلاف قتيل لو انفجرت مواجهة شاملة وذكرت ان التضحية باعداد كبيرة من الاسرائيليين ولو انها مؤلمة الا انها ستكون محتملة مقابل ما يتحقق لها اذا تمكنت من سحق قوى المقاومة والممانعة في المنطقة نهائياً كما تخطط لذلك.
واسرائيل كما تعرفون هي مجتمع عسكري متوتر ومشدود ، والحروب في رأيها هي فقط ضمانة وجودهم وترابهم واستنفارهم الدائم ، وبالتأكيد فان لوثه الحرب وهاجس الانتصار اصبحا كابوساً يثقل ايام قادة اسرائيل وليالهم كما انه بات مطلباً ملحاً لمجتمع عصابي مسكون بوهم القوة التي تكسرت في تموز 2006 يوم تعرضت اسرائيل لهزيمة تكرار في جنوب لبنان في حرب تموز يومها.
كما ان حربها على غزة في نهاية العام 2008 كانت فاشلة وقد ترتب عليها ادانة دولية واسعة تبلورت في تقرير غولدستون حيث لم تفلح اسرائيل الا في قتل الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والرجال العزل ومارست حرب ابادة جماعية ودمار واسع.
المشهد على الجانب الآخر ، مشحون ايضاً بالمخاوف ويأخذ بجدية التهديدات الاسرائيلية ويترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات ، وهو بدون مناورة مشتركة بين كل القوى المعنية يعكس أيضاً ونقطة تحول اوضح ما تكون عبر الاصطفاف والاستعداد للرد الجماعي على اي عدوان والتحوط بكل الوسائل بأن اي عدوان على اي طرف من الاطراف الثلاثة وهي لبنان وسوريا وايران سيلقى رداً من كل هذه الاطراف.
وعن التدقيق في هذا المتغير نجد ان هنالك تنسيقا سياسيا مباشرا وغير مباشر: فالرئيس الايراني نجاد قال ان لديه معلومات مؤكدة ان اسرائيل وامريكا ستهاجمان ايران في ربيع (صيف هذا العام) وانهما ستستهدفان سوريا ولبنان ، وقد ابلغ الرئيس الاسد بذلك عبر اتصال هاتفي وكذلك ابلغ الشيخ حسن نصرالله ، والرئيس الاسد قال في تصريحات له انه اذا اعتدت اسرائيل على سوريا او على حزب الله فان سوريا سترد بكل قوتها على أي عدوان ، وتحصيل حاصل ان تشارك ايران في الرد.
اما حزب الله الذي لا يخفي ان اسرائيل تريد ان تثأر منه فقد اعلن على لسان أمينه العام جهوزية حزبه للمعركة ، مؤكداً ان اسرائيل ستدفع الثمن غالياً وان أي دمار يصيب منشأة لبنانية سيقابله اصابة منشأة اسرائيلية والأصح تدمير متبادل والعين بالعين والسن بالسن مع فارق ان اسرائيل على مستوى البنية التحتية والفوقية لديها عشرات اضعاف ما تخسره قياساً على لبنان حسب تقديرات حزب الله..،،.
المؤكد ان ما يريده ويتمناه زعيم حزب الله السيد حسن نصرالله هو ان يكون كلامه في خطابه الاخير ذا مفاعيل مؤثرة ، وسياسيا في معادلة الردع المتبادل ، لكن مع ثقة مطلقة بأنه يعي ما يقول ويتحسب لكل النتائج والاحتمالات مع حرص على مصداقيته ، ولكن مع تأكيدات انه لا يريد الحرب ولا يوجد في المنطقة غير اسرائيل من تريد الحرب ولذلك فان اسرائيل ستكون هي البادئة في أي حرب محتملة مقبلة ، ستكون أقسى ما شهدته المنطقة من حروب ودمار يصيب اسرائيل اكثر من غيرها نسبياً.
الجديد في المنطقة هو ان كل العرب والمسلمين باتوا مدركين ان اسرائيل لا تريد سلاماً عادلاً بل تريد سلاماً جائراً او الأصح استسلاماً مذلاً وان الجميع باتوا امام التفكير بخيار الحرب لخلق موازين قوة تفرض على اسرائيل قبول منطق السلام العادل والشامل بعد اكثر من 40 عاماً من اللهاث وراء سراب الحلول التي وصلت الى طريق مسدود،،.