حضور «إسرائيلي قوي» في قرار قضائي مسيس
في غمرة الاشتباكات في سيناء وارتباك النظام في مصر، وفي أجواءٍ ملبدة بغبار الصحراء وحركة العربات العسكرية وبتأثير الكرّ والفر، تفوح فيها رائحة النار والبارود والدم واللحم المحترق، تصدر محكمة في مصر العزيزة حكماً غريباً، وغير مسبوق في تاريخ القضاء المصري بل العربي، الذي يعتبر حركة المقاومة الإسلامية حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام حركةً إرهابية، واعتبار كل من ينتمي إليهما كذلك.
لم يستطع الإعلام المصري أو الخاص المؤيد للنظام، ولا حتى قادة مصر الرسميين أن يقدموا روايةً معقولةً أو موضوعية للأحداث، ولا تفسيراً منطقيا يجتهد أن يكون مقبولاً أو محترماً لمثل هذه التطورات، لأبناء شعب مصر أو أبناء الأمة، فأثرت القوى المتحكمة في مصر ومقدراتها إصدار قرار من محكمة، وحكماً قضائياً مسيساً حتى النخاع، فهل كان هذا للتغطية على فشل سياسات ووعود الانقلابيين بالأمن والأمان والتي شكلت جوهر برنامج ورؤية الجنرالات؟ كيف استخدمت الأنفاق –حسب الإعلام الرسمي والمؤيد في مصر- من جهة مقاتلين من حماس.
ومنذ أكثر من سنة يقوم الجيش المصري بتدمير جزء من مدينة رفح المصرية الملاصقة للحدود مع القطاع وبعمق كيلومترين؟ وكيف يتم ذلك بعد أن أعلن منذ أكثر من سنة ونصف القضاء على كل الأنفاق وكل قنوات التغذية الخاصة بالقطاع المحاصر حد الاختناق؟ ورغم الإدعاء بقتل العشرات من الإرهابيين –حسب تعبيرهم- في اشتباكات وملاحقات طويلة فلم يتم تقديم اسم واحد أو جثة واحدة ينتمي أصحابها إلى القطاع؟ لمصلحة من ينشغل النظام في مصر بإدانة حركة مقاومة ومقاتليها الذين قدّموا مئات الشهداء قادة وجنوداً وعلى رأسهم الشيخ الأسطورة أحمد ياسين، وجسّدوا في جهادهم الملحميّ وتضحياتهم مثالاً للمقاتل الرساليّ, واقتداراً عسكرياً وإبداعاً مقاوماً هما الأروع في تاريخ الصراع مع عدو الأمة التاريخي؟ وكأنه لا يغفل لحظة عن تقديم خدمة لهذا العدو الذي تتحقق كل مصالحه في هذا المخطط، وقبل وقت ليس بالطويل صرح بعض جنرالات هذا العدو بأن ما يتم في رفح المصرية كان أمنيةً لم تستطع أن تحققها «إسرائيل».
لكن يبدو أن حكام مصر الحاليين ورثوا قناعةً عن النظام البائد أن «إسرائيل» هي بوابة الحلول في المنطقة وليس أمريكا! ما يستوجب استرضاءها وتحقيق كثير من أمنياتها ومصالحها مهما كان الثمن! أم أنه الإفلاس والخيبة والانكشاف حد الفضيحة عند الذين تصوروا يوماً بأنهم سيغيرون مسار التاريخ وحقائقه، ويقودون دولة شبه منهارة، ويسحقون تياراً مليونياً من خيار أبنائها بانقلاب عسكري وقبضة أمنية وإعلام لم يترك أحدا يسبقه كذباً وتضليلاً مهما كانت براعته في الإخراج السينيمائي أو غيره؟ أو في انسلاخه من الأخلاق والقيم والشفافية؟
لا نتمنى لمصر إلا الخير، ويحزننا كل قطرة دم تراق عبثاً من أبنائها أو أي من أبناء الأمة كلها، وعلى كل من يحكم أن يعي أن لكل بناء أسسا، ولكل مشروع مبادئ وقيما ورؤى مدروسة ومقرة من عقلاء أذكياء ذوي اخلاق وخبرة، وأن قيادة الدول والشعوب ليست مجرد امنية أو مغامرة، أو قدرة على إراقة الدم أو اتقان اداءات المراوغة والاحتيال على الشعوب.
(السبيل 2015-02-02)