البوعزيزي أطلق ربيع العرب والكساسبة أنهى ربيع الشياطين
أعترف بأنني لم أستطع مشاهدة الفيديو الذي صور فيه إرهابيو داعش جريمة حرق الشهيد معاذ الكساسبة، وقد أساءني كثيراً نشر هذا التسجيل للفعل الشيطاني على نطاق واسع، لما في ذلك من قسوة على أهل الشهيد وعلى أصدقائه وعلى من يشاهد الفيديو من البشر الأسوياء بغض النظر عن جنسياتهم ومعتقداتهم.
ولعل من نشروا اللقطات المسجلة من قبيل التحريض ضد الجريمة وضد هذا الإرهاب الداعشي الأسود وقعوا، من حيث لا يعرفون، في فخ الظلاميين الذين سعوا إلى استثمار تصوير الجريمة في توجيه رسائل الرعب إلى المجتمع الأردني وكل المجتمعات العربية.
لكن رهان "داعش" على استثمار بث التسجيل في خلق حالة من الهلع الذي يحدث شللاً مجتمعيا لم يكن رهاناً صائباً، فقد فجرت الجريمة البشعة غضباً مشروعاً في الأردن وفي المحيط العربي، وعلى غير ما أراد "داعش" ساهمت الجريمة في تسريع الحسم والتحدي المجتمعي للإرهاب الأصولي. ويمكن القول بطمأنينة واقعية أن التنظيم الارهابي لا يمكن أن يحلم بحاضنة مجتمعية في الأردن أو غيره من دول المنطقة التي لم يصلها الربيع الشيطاني.
قيل الكثير عن التسجيل المبثوث للجريمة، وشكك مخرجون سينمائيون بصحة الفيديو الذي تناولوه تقنياً وكأنه مشهد درامي من عمل تلفزيوني أو سينمائي. لكن الملاحظات الفنية لا تصمد أمام حقيقة وحشية الإرهاب الأصولي الذي لا يحتكم الا للشيطان ولا يضع اعتباراً لقيمة الإنسان.
وكان ينبغي لمن أراد التشكيك في قتل معاذ بهذه الطريقة الوحشية أن يراجع صوراً وأشرطة فيديو لمئات الضحايا الذين قتلهم الداعشيون بدم بارد ذبحاً بالسيوف الصدئة أو بإطلاق الرصاص الجبان على رؤوسهم. ولعل القبور الجماعية التي يعثر عليها العراقيون الآن تكشف مدى الجفاء بين الكائن الداعشي وإنسانية الإنسان.
في المقابل، هناك من لم يشككوا في المشهد انطلاقاً من قناعة راسخة بوحشية الفعل الداعشي، وقارن كثيرون جريمة قتل معاذ حرقاً بجرائم أخرى اقترفها الصهاينة وكان آخرها إحراق الفتى المقدسي الشهيد أبو خضير. وكانت هذه المقارنة واقعية وصادقة لأن اليهود المتطرفين الذين قتلوا أبو خضير حرقاً مثل الذين قتلوا الكساسبة، إرهابيون أصوليون تجردوا من إنسانيتهم وتطوعوا لخدمة الشيطان.
وذهب بعض المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقارنة خاطئة بين الكساسبة الأردني والبوعزيزي التونسي وكلاهما قضا حرقاً رغم اختلاف الظرف وهوية المجرم، فالبوعزيزي أحرق نفسه لتوجيه رسالة احتجاج على نظام إجرامي فاسد كان يحكم تونس، أما الكساسبة فقد قتله حرقاً أولئك المتربصون ببلده وبمجتمعه والذين يسعون لإشاعة الطغيان والتخلف بأصولية سوداء ومنغلقة.
لكن هناك مقاربة أخرى قد تؤكد التحولات القادمة منطقيتها، فقد بدأ "الربيع العربي" باحتراق البوعزيزي وربما يكون إحراق الكساسبة إعلاناً لنهاية هذا الربيع البائس.