سوق طحين سوداء تهدر 70 مليونا
المدينة نيوز - رغم أن الغش الذي تمارسه جهات مختلفة في سوق الطحين المدعوم ما زال يتسبب بهدر أكثر من 70 مليون دينار سنويا إلا أن التلاعب في سوق الطحين ما زال مستمرا بحسب خبراء ومختصين.
ويؤكد خبراء أن هنالك ثلاث جهات رئيسية تشترك في فرز "سوق سوداء" وهي المخابز والمطاحن والناقلين في حين يؤكد آخرون أن هنالك جهة رابعة تشترك في المسؤولية وهي الحكومة - وفقا للغد - .
ويبين مختصون أن ما يشجع عمليات التلاعب بالطحين المدعوم من قبل الجهات الثلاث؛ أو الأربع؛ هو الفارق السعري الكبير بين الطحين المدعوم وغير المدعوم إذ تبلغ قيمة الدعم الحكومي لهذه السلعة 227 دينارا لكل طن في حين يصل سعر الطن بالسعر الحر إلى 300 دينار.
يأتي هذا في الوقت الذي أقر فيه مجلس الوزراء أخيرا مشروع موازنة الحساب التجاري بوزارة الصناعة والتجارة والتموين البالغ 225 مليون دينار كدعم للمواد التموينية والعلفية.
ويبلغ مقدار دعم مادة القمح المخصص لإنتاج الخبز لهذا العام 180 مليون دينار فيما يقدر حجم الهدر ما نسبته 40 % أي ما يعادل 70 مليون دينار تقريبا في 2015.
ويعني ما سبق أن قيمة الدعم الحقيقي للخبز تبلغ 110 ملايين دينار.
و تقدم الحكومة دعم للطحين؛ بمقدار 227 مليون دينار؛ من أجل بيع سعر الطحين للمخابز بـ69 دينارا للطن بهدف الحفاظ على سعر كيلو الخبز للمواطنين عند مستوى 16 قرشا للكيلو إلا أن جهات تستغل فارق الدعم من أجل تحقيق أرباح طائلة على حساب خزينة الدولة.
وبحسب الخبراء؛ فإن عمليات التلاعب واستغلال فارق الدعم للطحين المدعوم تتم من خلال أساليب عدة أكثرها انتشارا وجود اتفاق ضمني بين صاحب المخبز والناقل والمطحنة من خلال تخفيض مخصصات المخبز من الطحين وإبقائها داخل المطحنة رغم وجود وصولات مختومة رسميا تثبت خروج كامل مخصصات المخبز من المطحنة.
وضرب الخبراء مثلا حول عمليات التلاعب في مخبز معين مخصصاته اليومية من الطحين المدعوم تبلغ 20 طنا؛ فمن خلال اتفاق ضمني بين صاحب المطحنة والمخبز والناقل؛ ومراقبين حكوميين في بعض الأحيان؛ يتم تخفيض المخصصات التي يستلمها المخبز إلى 10 أطنان وتختم بخروج كامل المخصصات ويوقع صاحب المخبز على استلام كامل المخصصات ولكن فعليا يتم استلام 10 أطنان وباقي الكميات يتم إعادتها إلى المطحنة من خلال الناقل؛ بعد انتهاء عمل مراقب وزارة الصناعة والتجارة والتموين إن لم يكن شريكا؛ وبالتالي يتم تقاسم فارق الدعم بين الجهات الثلاث أو الأربع.
وأكد نقيب أصحاب المخابز عبد الإله الحموي أن عمليات التلاعب بالطحين المدعوم ما تزال موجودة في السوق المحلية في ظل وجود فروقات سعرية كبيرة بين الطحين المدعوم والطحين الحر.
وقال الحموي "طالما يوجد فروقات سعرية بين الطحين المدعوم وغير المدعوم فإن عملية التلاعب والتصرف بالطحين المدعوم مستمرة في السوق المحلية".
وبين الحموي ان عمليات التلاعب تحدث بين جميع حلقات التسويق الأربع، وهي: موظف وزارة الصناعة والتجارة والتموين بصفة مراقب، والمطحنة، والناقل، وصولا إلى المخبز.
وكشف الحموي عن أساليب التلاعب بالطحين المدعوم من خلال تحايل المطحنة على وزارة الصناعة والتجارة والتموين بالاتفاق مع باقي الجهات من خلال صرف كامل مخصصات الطحين المدعوم لأحد المخابز ولكن فعليا يتم صرف نصفها.
وتابع الحموي أن هذه العملية تتيح لصاحب المطحنة الحصول على فرق الدعم من الوزارة بعد عملية كامل مخصصات المخبز ولكن فعليا يتم صرف نصفها مؤكدا ان هذه العملية لا تتم إلا بموافقة جميع حلقات التسويق.
وأقر الحموي بوجود تلاعب بالطحين المدعوم من قبل مخابز من خلال عمليات الخلط بين مختلف أنواع الطحين لإنتاج أصناف أخرى؛ مبينا أن هذه العملية تعتبر محدودة مقارنة بعمليات البيع والتلاعب من قبل باقي حلقات التسويق.
وبحسب الخبراء؛ يصل سعر كيس الطحين المدعوم وزن 50 كيلو غراما الذي تبيعه المخابز للمطحنة إلى 5 دنانير في حين أن الكيس المدعوم يصل إلى 3,45 دينار وسعر الشوال بالسعر الحر يصل إلى 15 دينارا.
ويؤكد خبراء أن المستفيد الأكبر من هذه العملية هي المطحنة التي بدورها تأخذ من الحكومة فارق دعم إضافي عن كميات الطحين التي تم تخفيضها من مخصصات المخبز إضافة إلى سعر بيع طن الطحين ما يعني أنها تحقق 300 دينار عن كل طن يتم شراؤه من المخبز وهي 227 دينارا فارق الدعم و 69 دينارا سعر بيع طن الطحين للمخابز.
وهنالك أسلوب آخر يشير إليه الخبراء؛ يكون بالاتفاق بين الناقل وصاحب المخبز من خلال تخفيض مخصصات المخبز من الطحين المدعوم وابقائها مع الناقل الذي يقوم بدوره بتصريف تلك الكميات وبيعها إلى جهات مختلفة إما لمصانع الأعلاف أو محال الحلويات والمعجنات وإنتاج البسكويت.
وبحسب الخبراء؛ فإن أسلوب التلاعب بالطحين المدعوم بين المخبز والناقل يتطلب وجود زبائن تشتري تلك المخصصات بشكل يومي.
ويشير الخبراء إلى وجود أسلوب آخر للتلاعب يختص فقط بصاحب المخبز من خلال استغلال الطحين المدعوم في إنتاج سلع أخرى مثل خبز الحمام والكعك الشعبي والحلويات.
ولم يقر الخبراء بعلاقة موظفي الوزارة؛ المراقبين على المطاحن تحديدا؛ بعمليات التلاعب بالطحين المدعوم إلا أنهم أشاروا إلى وجود علامات استفهام تحوم حول بعض المراقبين حيث لا يوجد ما يثبت ان لهم علاقة بعمليات التلاعب بالطحين المدعوم.
وأشار الخبراء إلى وجود مقترحات لدى الوزارة حاليا لإعادة النظر بعمل المراقبين في المطاحن من خلال ايقاف عمل المراقبين في ظل أن المطحنة ملزمة بتنفيذ مجموعة من التعليمات التي تكلف توزيع مخصصات المخابز حسب التعليمات.
وقال رئيس جمعية اتحاد مطاحن الحبوب التعاونية نقولا تشخلاكس إن "الآلية المعمول بها حاليا هي التي تفتح باب التلاعب بالطحين المدعوم عند جميع حلقات التسويق وإفراز سوق سوداء".
وأكد أنه طالما يوجد هنالك دعم للطحين طالما كان هنالك عمليات تلاعب وغش.
وقال مساعد أمين عام وزارة الصناعة والتجارة والتموين رمزي شاويش إن "عمليات التلاعب بالطحين المدعوم بطرق غير قانونية ما تزال موجودة في السوق المحلية بدليل العمليات التي يتم ضبطها".
واكد شاويش ان الفارق السعري الكبير بين سعر الطحين المدعوم وغير المدعوم هو الذي يتيح ويشجع على عمليات التلاعب بالطحين والتصرف بها بطرق غير قانونية.
وبين ان جميع حلقات تسويق الطحين المدعوم تتلاعب بالطحين سواء أكان ذلك ناقلا أو مخبزا أو صاحب مطحنة.
وبين أن الحكومة تقدم دعما لكل طن نحو227 دينارا للطن من أجل بيع سعر الطن للمخابز بـ 69 دينارا بهدف الحفاظ على سعر كيلو الخبز عند مستوى 16 قرشا للكيلو؛ مؤكدا أن فرق الدعم يفتح باب التلاعب بالطحين من خلال المخبز حيث يستطيع استغلال الفرق في إنتاج منتجات أخرى أو بيع الطحين من خلال سوق سوداء.
وقال إن "مراقب الوزارة يقوم بتدقيق جميع الكميات ولكن عمليات التحايل على مراقب الوزارة ممكن أن تحدث من خلال إرسال مخصصات مخبز 10 أطنان ويقوم المراقب بالتأكد من الكمية ولكن بعد انتهاء الدوام تتم إعادة الكمية إلى المطحنة بالاتفاق مع المخبز والناقل وكل جهة تحقق استفادة من ذلك".
وأوضح شاويش أن "الوزارة قامت بإجراء دراسة عن استهلاك مخابز المملكة من الكهرباء حيث تم إجراء مقارنات بين عدد المخابز التي تستهلك نفس كميات الطحين حيث تبين وجود خلل في مستويات الاستهلاك الأمر الذي يعطي مؤشرا على وجود خلل في الإنتاج".
وأكد أن الوزارة تمكنت من ضبط عمليات تلاعب بالطحين المدعوم عند المخابز التي يوجد بها خلل في استهلاك الطحين.
وأكد شاويش أن الوزارة تفرض رقابة صارمة ومستمرة على جميع المخابز في كافة مناطق المملكة لضمان الالتزام بالاستخدامات المشروعة للطحين المدعوم وعدم استغلاله من قبل البعض للمتاجرة به أو استخدامه لأغراض أخرى.
وبين أن الوزارة تمكنت من ضبط 5 آلاف طن طحين خلال العام الماضي تم التصرف بها بطرق غير قانونية حيث تم ضبط الكميات عند مخابز ومصانع الأعلاف أو محال الحلويات والمعجنات وإنتاج البسكويت.
كما تمكنت فرق الرقابة خلال الشهرين الماضيين من ضبط مطحنتين تتلاعبان بالطحين المدعوم حيث تبين بعد عمليات التدقيق على الكشوفات أن المطحنتين تتلاعبان بالطحين المدعوم من خلال زيادة مخصصات المخابز من الطحين حيث تم تغريم واحدة منها 1.47 مليون دينار، والثانية 330 ألف دينار.
وقال شاويش إنه في حال ضبط مخابز تتصرف بالطحين المدعوم بطرق غير قانونية؛ يتم تغريمها فرق الدعم وفقا للتعليمات الصادرة بالإضافة إلى دفع غرامات مالية تتراوح من 1000 إلى 3000 دينار وإيقاف تزويدها بالطحين المدعوم.
وأضاف "في حال ضبط الناقلين للطحين فيتم سحب الكفالات منهم والبالغة 10 آلاف دينار لكل ناقل إضافة إلى غرامات ودفع فرق دعم إما في حال ضبط مطحنة يتم تغريمها فرق الدعم وايقاف القمح عنها وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل"
وأكد شاويش أن التكلفة الحقيقية لسعر كيلو الخبر تتراوح حاليا من 35 قرشا إلى 40 قرشا وهي تتغير شهريا حسب أسعار القمح والكلف.
وبين أن الوزارة اتخذت سلسلة اجراءات للتخفيف من الهدر في الطحين المدعوم أهمها إصدار تعليمات تحظر ترخيص مخابز جديدة أو تعديل القائم منها التي تتعامل بالطحين المدعوم إضافة إلى التشديد في زيادة مخصصات أي مخبز.
ويبلغ عدد المطاحن العاملة في المملكة 15 مطحنة، وهناك مطحنة متوقفة عن العمل، ومطحنة تحت الإنشاء إضافة إلى أن عدد المخابز العاملة في كافة أنحاء المملكة حوالي 16500 مخبز فيما يبلغ عدد الناقلين المعتمدين حوالي 100 ناقل رئيسي بالإضافة إلى الناقلين الفرعيين لهؤلاء الناقلين.
ويستهلك الأردنيون 8 ملايين رغيف خبز عربي يوميا، وبمعدل رغيف وثلث للفرد الواحد.