خندق واحد لكل الغُلاة !!

نه تزامن يتجاوز المصادفة العمياء ويتطلب تحليلا لواحدة من أعقد الظواهر وأشدها توترا في مطالع هذه الألفية، فالهوس الصهيوني بتهويد الدولة وما أفرزه فقه الدّعشنة وما تبثه قنوات مسيحية متطرفة يُنذر بحروب دينية في ذروة هذا التطور العلمي، وثمة اصرار جماعي على تسطيح هذه الظاهرة، واستخدام مناهج أنهى التاريخ صلاحيتها لفحصها وتحليلها، لأن الرّيبة المتبادلة ونزعة الاقصاء والاحتكار بدأت تتحول الى مناخ مشبع بالكراهية، إن الكثيرين يشيحون بوجوههم عمّا يرون سواء بالعين المجردة كما في البلدان التي تعيش حروبا اهلية تحت اسماء مضلّلة او من خلال الشاشات التي يرشح الدم منها على مدار السّاعة .
لقد اصبح جليّا ان الغلوّ واحد وهو القاسم المشترك بين أديان وعقائد وفلسفات عندما توغل في التطرّف، وما قيل عن اقصى اليمين بأنه اقصى اليسار لم يكن بعيدا عن الحقيقة، لأن الغلاة على اختلاف اطروحاتهم يتشابهون وهم في خندق واحد حتى لو ذبحوا بعضهم !
ما نسمعه من فضائيات اسلامية متطرفة وداعشية المحتوى والرسالة هو ذاته ما نسمعه من حاخام يريد تهويد الكوكب كلّه وليس اسرائيل فقط، والاثنان لا يختلفان عن فضائية مسيحية هي في حقيقتها مضادة للسيد المسيح والسلام الكوني الذي بشّر به .
فما الحكاية ؟ وكيف اصبح التناسب طرديا بين التطور العلمي والتطرف الديني ؟ هل كان ذلك بسبب فائض المكبوت الإثني ام لأن التعامل مع هذه الظواهر كانت تنقصه الموضوعية ويغرقه النفاق، فأين هو الحوار والتعايش الذي عقدت من أجله مئات الندوات في مختلف عواصم العالم ؟ وهل انتهت تلك الرحلات الى سياحة وفنادق ومطارات وهدايا ؟
قبل عقود صاح مفكرون ومثقفون في الولايات المتحدة منذرين بلادهم من الخلل في التوازن بين العلوم الانسانية والعلوم البَحتَة . ومنهم من انتقد بقوة الفراغ الروحي الذي بدأ يعصف بعالمنا، وما حدث بالفعل هو ان من حولوا الاديان الى بورصات وحشوا نصوصها بالبارود كانوا يمارسون هذه المهنة بمعزل عن أية رقابة عقلانية فأفرطوا في التأويل حتى حولوه الى تقويل، ونزعوا الدسم الاخلاقي والانساني من مرجعيات هي براء منهم، ولا بدّ ان هناك مكبوتا عظيما تراكم تحت السطح فكان هذا الانفجار !!
(الدستور 2015-03-03)