بعد الحزم.. إعمار!
الاحتمالات كلها تشير إلى أن تطورًا كبيرًا وقع في اليمن خلال الساعات الماضية، أعلن التحالف بعده وقف القتال ـــ ولم يُعلن وقفًا شاملًا للحرب ــ وانطلاق حملة "إعادة الأمل" لاستكمال عملية "عاصفة الحزم".
مِن الواضح أن قرار وقف القتال جاء بعد أن أوقعوا بالحوثيين وأنصار علي عبدالله صالح خسائر فادحة، وأنهكوا الجيش اليمني التابع لصالح بما فيه الكفاية، لهذا جاء الوقف لإعادة بناء الجيش اليمني على أسس مختلفة، وطنية لا قبلية.
قرار وقف القتال جاء بعد حراك دولي واسع لفتح المجال لطاولة الحوار ان تأخذ مداها، وللمبادرات العربية ان تجد حيزا للبحث، خاصة انه في الاطار السياسي الاوسع فإن عام 2015 بالنسبة للاميركان هو عام حل المشكلات في العراق واليمن وطمأنة الخليج بطريقة تعيد شيئًا من التوازن الداخلي من دون استقطاب، وذلك لمحاصرة ايران ونفوذها في اليمن والعراق والخليج، لضمان استقرار هذه البلدان، لأن استيلاء فئة واحدة على السلطة لن يجلب الاستقرار.
في السياسي أيضًا؛ يمثّل اليمن خطًا أحمر بالنسبة للرياض وواشنطن؛ حيث لن تسمح السعودية بوجود صومال آخر في خاصرتها الجنوبية، كما لا تريد الولايات المتحدة استنساخ أفغانستان أخرى في ممر دولي مهم للنفط العالمي ومنطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة للعالم، بعد أن أصبح الأميركيون على قناعة بأن عودة صالح إلى اليمن ستزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد وتؤجج الصراع مجددًا، والأرجح أن القيادة السعودية تشاطرهم هذه الرؤية، ما يعني أنها ستبقي قضية الرئيس اليمني في يدها.
الاستعصاء في اليمن يزداد يومًا بعد يوم، وخاتمة الأحداث تشي بكوارث حقيقية، فإن نجا اليمنيون من حرب قبلية وفتنة، فلن ينجو اليمن غير السعيد من الانفصال وعودة دولة اليمن الجنوبي.
في اليمن الاستعصاء يتكرس نتيجة التأثير الكبير للقبيلة، الذي اتسع كثيرًا في زمان علي عبدالله صالح، لقد أعيد تركيب الجيش على قاعدة القبيلة – الجيش، اللواء أو الكتيبة أو السرية، في إطار القبيلة والعشيرة، بمعنى لواء في الجيش يكون بكامله من قبيلة حاشد، ولواء في الجيش من قبيلة بكيل، ولواء آخر من قبيلة أرحب.. وهكذا، وهذا عقّد الأمور، لأنه أدّى إلى عقد تحالف بين السلطة والمال، أي «زواج المتعة» بين السلطة والمال والجيش بالقبائل، وبالتالي رفع منسوب الأزمة.
والسبب الآخر ثقافة الربط بالماضي والتركيبة الطبقية الضعيفة الهشّة، ومحدودية الطبقة الوسطى في اليمن، فهناك أقلية بيدها رأس المال متداخلة مع السلطة، والأغلبية الساحقة فقراء، وفقراء تحت خط الفقر، فيوجد في اليمن 60 % فقراء تحت خط الفقر من مجموع الشعب، ويوجد في اليمن 60 % من الأمية، هذه عوامل تتداخل كلّها، تؤثر في الشبيبة وانتفاضة الشعب.
سوف يبدأ مشروع إعادة الاعمار في اليمن المعذّب بعد حرب لم يكن لها داع، سوى إرسال رسالة حازمة إلى طهران. وعلى الاعمار أن يبدأ خليجيًا بشكل واسع، كما يبدأ من إعادة أموال الشعب اليمني التي نهبها صالح باسمه، تقدر بنحو 60 مليار دولار نصفها في البنوك السعودية.
(العرب اليوم 2015-04-23)