من كل بستان شوكة !

تم نشره الأحد 26 نيسان / أبريل 2015 02:20 صباحاً
من كل بستان شوكة !
خيري منصور

أعود بين وقت وآخر إلى كتابين صدرا قبل قرن، هما: «طبائع الاستبداد» للكواكبي، و»سايكولوجيا الجماهير» لجوستاف لوبون، وأجد فيهما ما لا أجده في هذه الحذلقات التي يناقض فيها الهواة أنفسهم في كل عبارة ! كتاب الكواكبي عن تصنيع الديكتاتور رغم انه تحدّث عن الاستبداد في المطلق، والديكتاتور كما عرفناه في هذه المنطقة من العالم ليس كيانا متجانسا ومنسجما، انه ملفق من قطع غيار يدخل فيها الإيطالي والألماني والروسي، ففيه من موسوليني أسوأه ومن ستالين ما ليس له علاقة بالبعد المعرفي لتلك الشخصية لأن ستالين كان عالم لغة ورفض مقايضة ابنه بكرامة وطنه ويروى عنه أنه قال للروس عندما اقترب الألمان من موسكو : دافعوا عن قبر ديستويفسكي، ان الديكتاتور الملفق والذي تحوّل الى ما يقال عادة عن هذه الحالة وهو من كل بستان شوكة وليس زهرة لم يكن ذات يوم نبتا شيطانيا فهو ربيب ثقافة وتربويات وصناعة طبقة سياسية اشبه بتلك التي كتب عنها الراحل توفيق الحكيم مأمورية الزير، لهذا لا يسدل الستار على ديكتاتور بعينه لكي تكون نهاية الطغيان مع نهاية الطاغية ، ذلك لأن متعهدي هذه الصناعة لا يطيقون البطالة عن العمل، فهم ذوو حاسة شم مدرّبة جيدا إذ سرعان ما يتسابقون ويتنافسون على اصدار طبعات جديدة من الاستبداد . لكن ثقافتنا التي تفصل بين الفاسد والمفسد وبين الاستبداد والمستبد تبقي هذه المفاهيم مجردة ومعلقة في الهواء، وكأن هناك استبدادا لقيطا او طغيانا مبنيا للمجهول . «سايكولوجيا الجماهير» كما قدمها «لوبون» قبل قرن تضع النقاط على الحروف ولا تهرب من التشخيص والتسمية، فالتلاعب بعواطف الناس مهنة عريقة في التاريخ ولعل امثولة سِحرْ البيان افضل اختصار لها . لكن أما آن لهذه البشرية أن تبلغ رشدها التاريخي؟ وتتلقح ضد هذا اللدغ المتكرر ؟ أم أن هناك نُخبا حرفتها تصنيع الطغاة وتبرير الاستبداد بل تزيين الاثنين بحيث يكون التضليل كاملا؟ وقد تحولت هذه الصناعة الى نمط إنتاج يمارسه من يقولون إن الأرض تدور في الصباح ثم يعتذرون عن ذلك في المساء، لهذا فالشبه بين الليلة والبارحة واستمرار المراوغة الثعلبية أصبح قدرا لشعوب تكرر في كل جيل اخطاءها إما لأنها عازفة عن قراءة التاريخ أو لأنها لا تستوعبه، بحيث يتجدد رهانها الأخرق في كل العصور على أن تجني الشهد من اليعاسيب . إنها رواية مملة وحبكتها البوليسية واحدة رغم تغير أسماء الأماكن والشخوص !! 

(الدستور 2015-04-26)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات