شهادة جودة في تسويق الكبائر

لو أخفضت صوت التلفاز وشاهدت لغة الجسد وحركة الايدي ونفور عروق الوجه والانسيابية في الحديث لظننت أن المتحدث بهذه الثقة يقول في أمر عظيم او ينشر فكرة سمحاء او يحاجج عن قضية عادلة لتفاجأ أن المتكلم وهو مدير في دائرة مهمة تعنى بوضع معايير للانتاج الاردني يفاخر بلا خجل بأنه الأول الذي تمكن من وضع الخمر الأردني «الواين» على قائمة التصدير بمعايير منافسة وجودة عالية!!!
للحظة قد يختلط عليك في أي البلاد أنت، بالذات أن بلدك الهاشمي مرتبط بإرث الاسلام وهكذا يرى نفسه ويقدم وجوده للعالم فإما أن البلد تغير أو أن الدين تغير وأصبح شرب الخمر مستحبا بل نسعى الى تحسين انتاجيته وليس كبيرة وخطيئة قد تجر بفقدان العقل الى كل الخطايا والكبائر، وبما أن الدين لم يتغير فإن قيم الوطن هي التي تغيرت عندما أصبح من يتحكم بصورته وانتاجه شخص يرى قمة انجازه في الخمر وتصديره!!!
ومع انتشار هذه الفضيحة على الملأ بل تبني التلفاز الرسمي لها تظهر عدة مشاكل ملازمة لها في غياب الرقابة فيما يعرض على شاشة التلفاز الوطني بل لو شاهدنا قنوات اردنية خاصة لظننا أننا في أوروبا او اي بلد غربي لا يشبه أهل الاردن في لغة ولا شكل ولا دين ولا حياة!! واذا كانت الرقابة موجودة فالبتأكيد انها تخلو من القيم والضوابط التي يجمع عليها أغلب المجتمع ومؤسساته الدينية!
وهذه الفضيحة تسلط الضوء على المعايير في اختيار المسؤولين للمواقع الحساسة وهي مصيبة لو فتحت للكشف والتحقيق لرأيناها مثل صندوق باندورا! فأي معايير كانت في اختيار هذا المدير في المواصفات والمقاييس وكيف سولت له نفسه بالتسويق لهذه الكبيرة بل الافتخار بها؟! وكيف حكم على جودة الخمر أم أن طباخ السم يذوقه؟! أين هو ولائحة انجازاته من غذاء ودواء المواطن الاردني وحاجاته الاساسية ومراقبة المؤسسات الغذائية التي تطالعنا كل فترة بفضيحة جديدة تلامس قوتنا؟!
ثم المصيبة الكبرى التي أدت الى هذا التردي هو سكوت أهل العلم والدين والفتوى وخنوعهم التام تجاه هذه الانتهاكات الفاضحة للدين والعقيدة والقيم والاكتفاء بمراسلات رسمية وشجب وتنديد لا توقف أحدا عند حده ولا تمنع حراما سيتوارى عن الأعين فقط ويبقى يمارس ما يمارسه وينتج ما ينتجه ولكن تحت السطح وبعيدا عن الضوضاء والملاحقة!!!
ليس لدينا أكثر من المؤسسات الدينية ورجال الدين والافتاء ولكن ليس فيهم العز بن عبد السلام الذي كان لرأيه وحكمه حد السيف في رقبة كل من يتجرأ على الدين بما فيهم الامراء، ولا ينسى التاريخ للشيخ أنه دخل على السلطان في يوم عيد، والسلطان في قمة أبهته وبهرجته بالقلعة، وقد دخل العُجب في نفس السلطان، فقال له العز غير هياب: يا أيوب، ما حجتك عند الله تعالى إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فبهت السلطان وقال: أو حدث ذلك؟! قال الشيخ نعم الحانة الفلانية يُباع فيها الخمر، وغيرها من المنكرات!، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، قال السلطان: إن هذه الحانة مفتوحة من عهد أبي، الملك الكامل، وما أمرت بها، فرد الشيخ المؤكد لذاته المدافع والمنافح عن شريعة ربه: هل أنت من الذين يقولون: [إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، فانزعج السلطان وأمر بإبطال تلك الحانة، ولكن للاسف ليس في شيوخنا من أصحاب العمم والجلابيب من يقدر على مثل هذا، فقد أسكتهم الخوف على الدنيا ومناصبها، والعامة عندما لا يجدون رأسا يقودهم سيسكتون عن جهل او على مضض وقلة حيلة ويظل الشأن العام يترنح ثملا من قاع الى قاع ومن سيء الى أسوأ!
نريد أن نحافظ على بلدنا من الشرور الخارجية ونباهي بالأمن والأمان في ظل اقليم مشتعل ثم لا نبالي بحلول اللعنة علينا من داخلنا التي حذر منها الحديث «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الخمر عشرةً عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له » فهي أم الخباثت كما وصفها سيدنا عثمان.
اما من يروجون للخمر ويفخرون بها فهناك مقاييس جزاء لم يسمعوا بها لمن يمارسون وينشرون الفساد في الناس وخمرة لم يذوقوها بعد أنذر عنها الحديث «كُلُّ مُسكِرٍ حرام، وإنَّ على الله عهدًا لِمَنْ يَشرب المُسْكِر أن يَسقِيَه من طينة الخَبال» قالوا: يا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما طينة الخبال؟ قال: «عَرَقُ أهلِ النَّار أو عُصارة أهل النار».
اللهم احفظ الأردن من أعداء الداخل ومن شرّاب «الواين» والمسطولين بسببه!
(السبيل 2015-05-07)