لغة الأرقام..!

بقدر ما يمثل الرقم من أهمية لإشاراته ودلالاته المختلفة، إلا أن طريقة قراءة الرقم تزيد أهمية لما وراء الخبر وللأهداف المعلنة وغير المعلنة من قراءته أو تحليله، ما يُدخلها في خانة القناعات الشخصية والمشاعر، ويضفي عليها حالة من التشويش المقصود أو غير المقصود.

بعض المُعلقين والصحفيين الرياضيين العرب، الذين يستهويهم فريقٌ بعينه أو أداء منتخب ما، تراه يقرأ نتائج الفريق مهما كانت، فوزاً أو خسارة بذات الروح وكأن النتيجة التي تُحَتمُها مشاعره الشخصية هي أمر لا فكاك منه حتى وإن اختلفت مع رغباته.

عندما يخسر برشلونة أمام الريال بهدف يتيم، يعتمد تقديم نتيجة المباراة لدى بعض الإعلاميين والصحفيين الرياضيين على مشاعرهم الشخصية، فإن كان برشلونياً، يكون العنوان حتماً "لَعبَ برشلونة باحتراف وانتهى الريال بهدف يتيم" أو "برشلونة يتفوق وريال مدريد ينهي اللقاء لصالحه".

أما إن كان الصحفي مدريدياً مُتزمتاً.. فتعود القراءة لواقع المنطق الذي تفرضه النتيجة "الملكي يقصي برشلونة في لقاء القمة" أو "الريال يحسم الديربي بهدف كبير".

الأرقام هي كما تُقرأ لا كما تقول على أرض الواقع، فحكاية البرشا ومدريد كما الفيصلي والوحدات وعندما كان الجزراويون يكتبون "لعب الجزيرة وفاز الفيصلي" كانو يعبرون عن أفكارهم الخاصة المحضة.

الحال يتكرر دوماً حين يخرج علينا استطلاع رأي يقيس حال العلاقة بين الحكومة والناس أو يدرس مستويات الثقافة بين المواطن وأداء حكومته، أو حتى يعطينا أفضلية كاتب أو مذيع أو برنامج تلفزيوني.

لم أفهم بعد هل حازت الحكومة الحالية على ارتفاع ثقة المواطن الأردني كما قرأت في عدد من الصحف، أو أنها أخفقت في الحصول على ثقة الأردنيين كما طالعت في عدد كبير من الصحف الأخرى.

"انخفاض في ثقة الناس بالحكومة" أحد العناوين التي تعاملت مع آخر استطلاعات الرأي، وتفاصيلها تتحدث عن انخفاض في مستويات الثقة مقارنة بالاستطلاع الذي سبقه، مع الإشارة إلى أن 32 % من "مستجيبي" العينة يرون أن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ في مقابل 22 % في الاستطلاع السابق، فيما أشار 65 % من "المستطلعين" أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح مقارنة بـ74 % سابقاً.

"ارتفاع ثقة المواطن بحكومة النسور"، عنوان في مكان آخر يقرأ النتائج على نحو أن 60 % من أفراد العينة يعتقدون أن الحكومة كانت قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة بدرجات متفاوتة مقارنة مع السابق. في ذيل الخبر إياه، يتم الإشارة إلى أن 32 % من العينة يعتقدون بأن وضعهم خلال العام المقبل سيكون أسوأ مما هو عليه الآن، و29 % يتوقعون أن وضعهم سيتحسن.

"ثلثا الأردنيين يعتبرون الحكومة غير جادة في ملفات مهمة".. "ازدياد المتشائمين من أداء حكومة النسور".. "ارتفاع ثقة الأردني بالحكومة" عناوين عديدة لخبر واحد، وآخر العناوين "صدق أو لا تصدق استطلاع يؤكد ارتفاع ثقة المواطن بحكومة النسور".

المشكلة ليست في الحكومة ولا في المواطن، لكن في تقديم النتائج بالإيهام الذي يحدثه أسلوب قراءة الرقم.. فحتى هذه اللحظة وبعد قراءة كل العناوين وسماع التعليقات لم أعرف بعد، هل ازدادت ثقة الناس بالحكومة أم انخفضت؟

أين تقف أغلبية الناس في أرقام الاستطلاعات ومراكز الدراسات التي اعتادت أن تخرج علينا بأرقام متضاربة وانطباعية؟ وكيف لنا أن نطمئن لأرقام الاستطلاعات التي تفاجئنا دائماً لا في مجال العلاقة بين المواطن والحكومة، ولكن حتى في استطلاعات حجم المشاهدة لبرامج التلفزيون الأردني الذي أظهر أحد الاستطلاعات مرة أنها الأكثر على المستوى العربي، بسبب "دعم" مسؤول في التلفزيون لمركز الاستطلاعات الشهير.  كما في استطلاع رأي الحكومة، ما نزال نقرأ عن تكريم متواضع لفنان صديق أو إعلامي نرتبط معه بعلاقة ود، بأنه إنجاز كبير على صعيد الإبداع العربي باستلامه جائزة كذا للأداء المتميز.

ونواصل الحط من مكانة جائزة عربية أو عالمية كبيرة لإعلامي أو صحفي لا نغبطه ولا علاقة لنا به، فنتناسى الخبر وإن اضطررنا لبث الخبر على نحو "درع تكريمية لفلان في إطار تكريم عشرات الإعلاميين العرب".

أعود لأسأل هل فازت الحكومة في الاستطلاع بمزيد من الثقة.. أين أتابع النتائج برأيكم؟  - الغد