تجدد الأوهام حول سورية

عند اندلاع الأزمة السورية قبل أربعة أعوام بدأت صحف ومواقع وفضائيات معروفة بمناهضتها للنظام السوري عموما وللرئيس بشار الأسد خصوصا، تتحدث عن الأيام المعدودة للأسد وعن رحيله الوشيك قبيل عيد الفطر وعن تخلي إيران وروسيا عنه في صفقات سرية مع الأمريكان، ودخلت جميعها في تحليلات لمستقبل سورية بعد الأسد.
وزادت هذه الحملة بعد سيطرة المعارضة على مدينة حمص وفرار بعض العسكريين والدبلوماسيين وتشكيلهم ما عرف بالجيش الحر، كما بعد تصريحات مرنة من طهران وموسكو.
وعن كل ذلك لا بأس من الملاحظات التالية:-
أولا، وفيما يخص طهران وموسكو، فإن دعمهما لسورية لا يتعلق بالتزامات خاصة، بل بالأمن القومي لهما وبمصالحهما العليا، وعلاقة ما يجري في سورية بالصراع على اوراسيا وخطوط النفط والغاز في آسيا الوسطى والدور الأمريكي الصهيوني الرجعي للجماعات التكفيرية هناك.
ثانيا، لم تكن هذه الأزمة ولا تلك الحملة الاعلامية الواسعة جديدة على سورية، التي شهدت ما يشبهها الى حد بعيد بعد معارضة الرئيس السوري الأسبق، شكري القوتلي لضغوطات الحكومة الاسلامية في تركيا في خمسينيات القرن الماضي بعد رفض دمشق لحلف بغداد، كذلك ما شهدته سورية في ثمانينيات القرن نفسه بعد رفضها اتفاقيات كامب ديفيد.
وأذكر في هذا المجال وكنت أعيش في دمشق كيف كنت أسمع من منزلي "روف مستأجر قرب السبع بحرات" أصوات الرصاص قرب منزل الرئيس حافظ الأسد بين الجسر الأبيض وابو رمانة، فضلا عن سقوط مدينة جسر الشغور بيد الجناح العسكري او جيش محمد التابع للاخوان المسلمين.
وبحكم عملي في مركز الدراسات الفلسطينية في دمشق كنا نتابع ما تكتبه الصحافة العالمية عن الأوضاع في سورية ومستقبل هذا البلد بعد الأسد، وهل ينضم الى كامب ديفيد او ينفجر… إلخ.
وكما هو معروف، وبعد سنوات من الصراع الدموي مع الجماعات الاخوانية المسلحة انتهى هذا الصراع لمصلحة النظام وفتحت حماس الاخوانية مكاتب لها في دمشق وامتدت "الأيام المعدودة" للأسد الأب من عام 1983 الى 1999؛ حيث توفي وهي سنوات مديدة وليست اياما عديدة.
اما بخصوص الأسد الابن، وبعد ان توقفت الحملة نفسها اياما معدودة له بعد ازمة 2011، ها هي الأزمة على مشارف العام الخامس، ومرت الأعوام والأعياد عيدا بعد عيد، والأسد يربض على الهضبة المطلة على العاصمة، دمشق.
وسبق ان كتبت عام 2011 على هامش توقعات بعضهم ورغبات بعضهم الاخر في رحيل الأسد، أن ايامه ليست معدودة، وليس على احد ان يؤسس تصورات وقصورا في الرمال "كش ملك" بناء على سقوط بلدة أو بيدق أو قلعة أو فيل.
فرجال السياسة الحصفاء والاذكياء لا يرسمون ويبنون مواقفهم على "شبر مي" او احتقانات او توترات او إيقاعات لتحسين ميزان القوى على ابواب مؤتمر او اجتماع او صفقة، بل بعقل بارد وبمقاربات استراتيجية ترى رقعة الشطرنج بكاملها.

(العرب اليوم 2015-05-18)