الإرهاب والعنصرية
الإرهاب من رهب خاف، وأرهب أخاف. والارهاب نوع من العمل تقوم به الدولة او الجماعة او الفرد تجاه الاخر او تجاه الاخرين لتحقيق رغبة ما ومصلحة ما بالقوة والعنف. وهذه القوة قد تكون سياسية او عسكرية او امنية او اقتصادية.فاستخدام الولايات المتحدة مثلا لحق الفيتو في مجلس الامن ضد قرار اتخذ لصالح الفلسطينيين ضد اسرائيل يندرج تحت الارهاب السياسي. وغزو الولايات المتحدة لافغانستان والعراق يعتبر ارهابا عسكريا، وفرض العقوبات الاقتصادية من قبل امريكا على كوبا سابقا وعلى ايران بعد قيام الثورة الاسلامية هو ارهاب اقتصادي، وفرض الحصار على العراق بعد حرب 1990م هو ارهاب اقتصادي امني، وهلم جرا..
والعنصرية تتماهى تلقائيا مع الارهاب. فهي حالة من التعصب والانحياز من قبل الدولة "اي دولة" او الجماعة او الفرد لجنسه العرقي او الديني او الوطني او القومي. والارهاب والعنصرية في عصرنا هذا يتجليان بأبهى صورة في كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بأقوالهم وافعالهم وسياساتهم تجاه الاخرين الذين يعتبرونهم اعداء لهم. وعلى رأس هؤلاء الاخرين العرب والمسلمون والفلسطينيون خاصة.
بعد اوسلو وكامب ديفيد وتوقيع اتفاقيات السلام الفاشلة بين اسرائيل من جهة، ومصر، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والاردن من جهة اخرى طلبت اسرائيل من تلك الدول ومنظمة التحرير تغيير مناهج الدراسة عندهم، بإلغاء ثقافة الكراهية والبغضاء تجاه اليهود، بما فيه الآيات القرآنية الكريمة التي تظهر عيوب اسرائيل وغضب الله عليهم، وتشحذ النفوس بالحقد والكراهية ضدهم. والعكس هو الصحيح. فالمناهج اليهودية في الكيان الصهيوني منذ الصفوف الاولى وحتى التأهيل للجامعة، تحث الطلبة على الكراهية والتميز عن الاخرين العرب "الغوييم".
جاء في التوراة: "امحقوهم حتى آخرهم وأبيدوا حرثهم ونساءهم". ومن أقوال هيرتزل مؤسس الصهيونية: "ان الانسان الذي يخترع مادة شديدة الانفجار يعمل لاجل السلام اكثر من الف داعية الى اللطف والرأفة واللين". وقال بن جوريون: "بالامكان وضع القانون جانبا، والاعتراف بما يعمله اليهود"، بمعنى ان اليهود فوق القانون وكل ما يصدر عنهم من قول او فعل هو قانون بحد ذاته. وهناك الكثير من الاقوال والتعابير لحاخامات اليهود وقادتهم عبر التاريخ بتمييز انفسهم وتصرفاتهم عن الجميع.
الكيان الصهيوني منذ نشوئه اعتمد على المناهج التدريسية في التعليم التي تغذي الطلاب منذ الصغر بالعنصرية والتعصب، وتغذية العقول بمبادئ التربية العنصرية المتعصبة بحيث يضمن ذلك الكيان ولاء الناشئة المطلق للدولة والعداء للغير. والغير هنا العرب والمسلمون سيما الفلسطينيون. ومنذ المرحلة الابتدائية تعمل المناهج التربوية العبرية على تغذية عقول الطلبة بالكراهية للعرب، ووصفهم بشتى التوصيفات والوحشية، وبأنهم بدو متخلفون يحبون القتل والتدمير، ويفتقرون الى الاخلاق والضمير؛ وان اليهود فقط افضل شعوب الارض، وانهم وحدهم الساميون من نسل ابراهيم من ولده اسحق بن سارة. واما العرب نسل ابراهيم من ولده اسماعيل بن هاجر هم في المرتبة الثانية. وهيرتزل مؤسس الصهيونية نعت العرب بالافاعي بعد ان رفض السلطان عبدالحميد العثماني طلبه باعطاء فلسطين لليهود لتكون وطنا قوميا لهم. واليهود المتدينون المتعصبون يعتبرون العرب عبيدا، واليهود اسيادا؟!
واليهود في الكيان الصهيوني نفسه يمارسون العنصرية بين فئاتهم. فاليهود الاشكناز "الغربيون" هم المتميزون ويحتلون المناصب العليا في الدولة، واليهود السفارديم "الشرقيون" اقل منهم منزلة واقل منهم رعاية اجتماعية. وليس ببعيد قبل مدة، مظاهرات اليهود الفلاشا "الاثيوبيين" في اسرائيل ضد حكومتهم، لأنهم منبوذون، ولا يوظفون في دوائر الدولة، وفئات اليهود الاخرى تعاملهم كالعبيد!؟
ان العنصرية السافرة والعنيفة التي تنتهجها اسرائيل ضد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة تندرج تحت عنوان "ارهاب الدولة" بكل اوصافه.
وان السياسة الامريكية الناعمة وخططها الظاهرة والخفية ومن ورائها الغرب والحلفاء الاقليميون والصهيونية تهدف الى تدمير اقطار عربية تتمتع بالاستقلال والسيادة رافضة للهيمنة الامريكية، تدميرا شموليا لكل مقومات الحياة وكيان الدولة.
ما يجري في العراق وسورية واليمن هو ارهاب الدولة الامريكية وحلفائها في المنطقة والغرب، الذي ينفذ بسبق الاصرار والترصد على يد الجماعات المسلحة والدول الاقليمية الممولة لها بقيادة الولايات المتحدة، لتفتيت المنطقة بالقوة العسكرية، واستنزافها، بحيث تفقد قواها وتتخبط في فوضاها، وتسقط فوق ركامها.
ولو تمعنا في ماهية الارهاب والعنصرية لوجدنا انهما وجهان لعملة واحدة، يكمل كل منهما الاخر ويذوبان معا ليشكلا نظرية فذة للقتل والتدمير والابادة الجماعية.
(العرب اليوم 2015-05-31)