صلاحيات أنهاها التاريخ !!

بمقدور اي واحد منا ان يغيّر تاريخ الصلاحية لعلبة دواء او غذاء ويقنع نفسه انها لم تفقد صلاحيتها لكنه حتما سيدفع ثمن هذه الحماقة فإما ان يتسمم او تصبح النافعة ضارة، وهذا مجرد مثال حسي من حياتنا اليومية يراد به توضيح ما هو ابعد واكثر تجريدا، فثمة افكار ومقاربات سواء تعلقت بالسياسة او الثقافة او الاقتصاد لها صلاحية محدودة، ما ان تنتهي حتى تصبح النتائج معكوسة، لكن انتهاء الصلاحية قدر تعلقه بالافكار ليس ملحوظا على نحو مباشر. وما من دولة او مؤسسة في العالم يمكن لها ان تقول بأن صلاحية ما تتبناه من نظريات تنتهي في عام او شهر او يوم محدد، لهذا فالامر متروك لمن تخصصوا في هذا المجال، وهم إما من المؤرخين او علماء النفس والاجتماع، فهم الأدرى بنهايات الصلاحية ولو على نحو تقريبي، وذلك من خلال رصد ما تنتجه افكار ونظريات على صعيد ميداني، والاعلام العربي الذي لم يغادر بعد ذلك التعريف الذي اصبح متداولا حتى على صعيد شعبي وهو انه ظاهرة صوتية يعج بما انتهت صلاحيته من خطاب توهم من تناقلوه انه أبدي، فقد يجري تغيير شكلي وبلاغي لمفردات معجم الاعلام لكن ذلك لا يمس المضمون من قريب او بعيد، فالهجاء المتبادل واحيانا بشكل مقذع يواصل الاصرار على صلاحيته في زمن اصبح فيه مثل هذا الخطاب اشبه بعورة ثقافية واجتماعية، وهناك عيّنات من الاعلام الجاهلي تصلح لأن توضع تحت المجهر النفسي بحيث يتضح ان من يستخدمونها هم مرضى وبحاجة الى علاج كلينيكي، لكن عندما يصبح الشرب من نهر الجنون جماعيا يصبح الصواب هو الاستثناء وقد يكرّس القاعدة . والارجح ان الفيروس الذي فتك بالخطاب الاعلامي خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان رشيقا وماهرا في التأقلم والهجرة من زمن الى آخر، ولا ادري كيف يمكن ان تُصنّف مفردات التخوين والاقصاء والتكفير والتأثيم خارج المدار الذي أنهى التاريخ صلاحيته . ان بامكان اي كائن ان يخدع نفسه حتى النهاية، خصوصا اذا تحوّلت الخديعة الى ثقافة سائدة، لكن عليه بعد فوات الاوان ان يدفع الثمن !!
(الدستور 2015-05-31)