على مرمى نكسة

لم ندرك يومها أن فلسطين التي كانت على مرمى طلقة صارت على بعد هزيمة، وأن الذئب الذي توعدناه برصاصة بين عينيه سيقتلنا . لم نكن نعلم أن التاريخ كان يكتب بالحبر الأسود مرحلة مأساوية من تاريخ الأمة . من كان يصدق أن ذاك الشريط الذي أقام فيه الصهاينة «دولة» سيحتل ارضاً من اربع دول عربية، وأن ما تبقى من فلسطين 1948 سيصبح أيضاً «إسرائيل»؟! يومها كنا صغاراً نحلم أن نكبر، أن تعود فلسطين الى أهلها الذين هُجروا منها قبل 19 سنة، ويعود اليهود ايضا الى بلادهم التي جاؤوا منها، ويعم السلام ارض السلام . لم نكن نريد ان نرميهم في البحر، ولا صدقنا احمد سعيد حين كان يصرخ « تجوع يا سمك البحر « . كل ما في الامر كنا نريد تحرير فلسطين «المغتصبة « . حتى تعبيراتنا مخجلة لان عقلنا ليس في رأسنا، لماذا « مغتصبة» وليس محتلة، فقط محتلة . لم نكن ندري أن الخطاب الإعلامي العربي كان بائساً حد الكذب، خيالياً حد افلاطون . المدن الفاضلة لم تكن فاضلة، وأن سهرة رجل اسمه عبد الحكيم عامر مع عاهرة اسمها برلنتي عبد الحميد سيقلب الدنيا رأساً على فخذ، وأن من شقوق الخطيئة في تلك الليلة ستدخل طائرات إسرائيل لتضرب طائرات مصر في مهاجعها، ودبابات موشي دايان ستحتل ما تبقى من القدس وفلسطين والجولان السورية وسيناء وجنوب لبنان ! يومها، صغرنا تقلصنا هزمنا، تحول الحلم الى كابوس وسمينا الهزيمة نكسة . بارعون نحن في التخفي حتى اختفينا من حسابات العالم . اصبحنا صفراً على اليسار، لم يفدنا يسار ولا يمين ولا دفن الرؤوس في الرمال ...تصحّرنا ونحن في وسط الماء، مائين بين المحيط والخليج . لكأننا كنا نمشي فوق الغيم فيما على الارض ينفذ الصهاينة حلم بني اسرائيل في اعادة بناء الهيكل المزعوم على انقاض الاقصى . حلم اسطوري توراتي يهزم واقعاً عربيا اسلاميا عميقا في التاريخ وفي الوجدان . خيال يمحو حقيقة . عصابات تهزم دولا وشذاذ آفاق يتربعون في مساجد وكنائس أناس حملوا رسالات الرسل والانبياء الى جهات الارض الاربع . على الارض تحقق الحلم الصهيوني بالقوة . لكن الحلم لم يكتمل فالصهاينة يريدون اعترافاً عربياً بكيانهم و...اعترفنا ! فلسطين ليست فلسطين واسرائيل دولة وصديقة ايضاً . تربطنا بها اتفاقيات اعلن ولم يعلن عنها ! الغينا الخيار العسكري واستبدلنا بـه « السلام خيار استراتيجي « ومن « لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف « الى السلام مقابل الارض» الى « السلام مقابل السلام « . لا سلاما حصّلنا ولا ارضا حررنا ولا عربا بقينا . وحفظاً لماء الوجه او ما تبقى منه، كان لا بد من اعتراف قوي، اخترع هنري كيسنجر ثعلب الصهيونية مسرحية حرب اكتوبر1973، سموها» العبور» ، نعم استبسل جيشنا المصري في عبور قناة السويس لكنهم اوقفوه عند الكيلو 101 ونصبوا خيمة الاعتراف . ظل قائد الجيش سعد الدين الشاذلي يصرخ و يصرح « كان التوقف خطأً عسكرياً وبامكاننا التقدم الى قلب اسرائيل « لكن تلك هي الخطة، والعبور كان عبور اسرائيل دبلوماسياً الى سفارة في القاهرة، وهذا حلم بني صهيون ، ومن ثم الى عواصم عربية اخرى . وكما سمّوا الهزيمة نكسة، والعيب عبوراً، يسمون اليوم المرحلة الثالثة من المشروع الصهيوني والدمار العربي « الربيع». ما اشطرنا في النكسات!!.. ما اشطر الصهاينة بالانتصارات!!.
(الدستور 2015-06-06)