الصراع على سورية

تم نشره الأحد 14 حزيران / يونيو 2015 01:28 صباحاً
الصراع على سورية
هند التونسي

ما يجري في سورية منذ خمس سنوات، هو صراع عليها. ولا يمكننا بأي حال من الاحوال إدراجه في مسلسل ما سمي بالربيع العربي. يتبدى ذلك في الحرب الكونية التي تدور رحاها على الاراضي السورية منذ 2011 وحتى الان. ولا تزال سورية صامدة برغم عِظم الخسائر على جميع المستويات. والصمود السوري هذا أفشل مشروع اردوغان وحلمه بالصلاة في المسجد الاموي كما صلى فيه السلطان سليم العثماني عام 1516م، وذلك تيمنا واملا بان يصبح السلطان العثماني المعاصر؛ بطموحاته التي لا تُحد باقامة الدولة العثمانية الحديثة العابرة للحدود كمثيلتها الدولة العثمانية القديمة. غير ان ما تمخضت عنه الانتخابات البرلمانية التركية عن عدم حصول حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان على الاغلبية الساحقة من الاصوات من شأنه تقليص سلطة اردوغان، لا بل ومحاصرته في رئاسة الجمهورية من حيث المهام وحسب!

هذا من جهة، ومن جهة اخرى ستقلص سلطة اردوغان وحزبه، في ضوء وجود شركاء جدد في السلطة "الحزبين الفائزين" بالانتخابات واللذين يعارضان سياسة اردوغان الداخلية والخارجية، ولهما عليها تحفظات كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالقضية السورية. هذه المعطيات والحيثيات من شأنها قلب الاوضاع في سورية بشكل خاص للاحسن والافضل. وفي السياسة التركية الاقليمية سيكون التوجه للسلم بعيدا عن التحديات.

والصمود السوري ايضا افشل ما خططت له منظومة الامبريالية الامريكية وتابعاتها اسرائيل وبريطانيا وفرنسا وباقي دول حلف الناتو والرجعية الاقليمية ضد سورية. والامبريالية العالمية هي المسؤولة ايضا عما يجري في العالم الثالث بشكل عام، وفي العالم العربي والاسلامي بشكل خاص. وفي الشرق الاوسط على وجه الخصوص وفي سورية بالذات. والمقصود مما يجري في سورية هو تفكيك دولة لها استقلالها وسيادتها حاضنة للمقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية منذ خمسين عاما استنادا لبنيتها الخرسانية للخاصية القومية!! ان ما تعيشه المنطقة من حروب وصراعات مسلحة جاءت استحقاقا لما وضعه شيمون بيريز في مشروعه عام 1986 "مشروع الشرق الاوسط الجديد" الذي يقوم على اربع قوائم:

1-النفط العربي الخليجي

2-الايدي العاملة المصرية

3-المياه التركية

4-العقول الاسرائيلية

والهدف من هذا المشروع تفتيت المنطقة الى دويلات وتسييد اسرائيل عليها كقوة عظمى!! وهو يصب في مصلحة الولايات المتحدة واسرائيل الاقتصادية.

ان محاولات التدخل في الشرق الاوسط من قبل امريكا والغرب منذ بدايات النصف الاول من القرن العشرين لم تتوقف. ودرجت الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ على استغلال المتغيرات الدولية والاقليمية في الشرق الاوسط، واقتناص الفرص لتحقيق مخططاتها التي تهدف في مجملها للهيمنة على مقدرات الشرق الاوسط بشموليتها. كما ان الولايات المتحدة بسياساتها الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية اعتمدت الحلول العسكرية في حال اصطدام تلك السياسات بالرفض او الممانعة او المقاومة من قبل الدولة المستهدفة.

وبهذه السياسة العدوانية، تبرأت امريكا من انتمائها للانسانية، وتنصلت من مراعاة المثل الاجتماعية والاخلاقية والنظم القانونية في ميثاق الامم المتحدة وفي القانونين: الدولي والانساني وهو ما يعرف بقواعد الاخلاق الدولية. وبذلك صادرت فعالية الامم المتحدة ومجلس الامن، والواجبات المنوطة بهما تجاه الدول المظلومة والمستضعفة.

ما جرى ويجري في سورية من وجهة نظر اعلامية تم ويتم بادارة الفضاء الذي يضم الاعلام الضخم الامريكي والغربي والاقليمي المضلل؟! وما المسلحون في سورية سوى ادوات لتنفيذ الاجندة الموضوعة لهم، من قبل امريكا واسرائيل والغرب والاطراف الاقليمية. وكلها لا تريد للحل في القضية السورية ان يتحقق! وكذلك مافيات السلاح في العالم تحول دون تحقيق التسوية بين الاطراف المتصارعة في سورية، كي تظل مصانعها تضخ السلاح بانواعه لتأجيج الحرب. وازاء ما يجري في سورية منذ خمس سنوات تقوم الدولة السورية وهذا واجب عليها، بما يحمي الدولة والوطن والمواطن في مواجهة النقيض الذي يريد تقويضها.

ان الاصرار من جهة القائمين على ابقاء الحرب مستعرة في سورية بهدف تفتيتها وتفكيكها بأي شكل من الاشكال، ومهما كانت كارثية النتائج؛ يسبب اخطارا جسيمة على سورية والمنطقة برمتها، وعلى مصر بالذات التي تعتبر سورية عمقها الاستراتيجي.

ان المشهد السياسي في الشرق الاوسط الذي خطط له، في تصاعد مستمر للاسوأ والاخطر على جميع الصعد، والاطراف الاقليمية التي تموّل وتسلح وتوفر الخدمات اللوجستية للمسلحين للحرب في سورية ما هي الا ادوات للامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية، لتنفيذ خطة الشرق الاوسط الجديد التي تصب في مصلحة امريكا واسرائيل. ولا غرو في ذلك اذا عرفنا ان حرب حزيران 1967 "حرب النكسة" تمت بتخطيط امريكي اسرائيلي وتمويل عربي اقليمي, ضد رئيس الجمهورية العربية المصرية جمال عبدالناصر رحمه الله. لاطفاء حضوره القومي على الساحة العربية من جهة، ولكي تضم اسرائيل وتغتصب باقي الاراضي الفلسطينية, ومنطقة الجولان السورية، وسيناء المصرية، من جهة اخرى.. وهذه الحقائق محفوظة وموثقة في الوثائق السرية الرسمية البريطانية.

وفي الختام؛ ان ما يتهدد سورية لا تنفرد فيه وحدها، وانما تتهدد به الامة العربية بأسرها.

(العرب اليوم 2015-06-14)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات