النكبة وصلت للسياحة

صرخة وزير السياحة الوسيم نايف الفايز، وصرخات الأطراف المشتغلين في السياحة ـــ حول تراجعها بشكل لافت عن العام الماضي، خلال الخمسة أشهر الماضية، إذ وصلت 13 %، وقد وصلت في البترا، تحديدا 35 %، مع أن أهالي البترا يقولون إنها أكثر من ذلك بكثير ـــ يجب أن تلقى انعكاسا مباشرًا لا يحتمل التأجيل من الأطراف المعنيين جميعهم بحماية السياحة صاحبة الدخل الثاني لموازنة الدولة بعد الضرائب.
الحكومة استجابت، ووجهت إلى دعمٍ أكثر لبرامج الترويج السياحي، لكن هذا لا يكفي، نحن نعرف أسباب تراجع السياحة في المنطقة عمومًا، لكن لا يجب ان يتم التسامح بعد الآن بترك قضايا كبيرة ورئيسة في الدخل الوطني.
قبل سنة تقريبا، وقف برلماني وسياسي كبير من وزن الدكتور ممدوح العبادي ليؤشر على خطورة ترك السياحة وكأنها قطاع هامشي في عمل الحكومات، ورفَع الصوت قائلًا: ان وزارة السياحة وزارة سيادية أهم من وزارة الداخلية. يومها غضب كثيرون من كلام العبادي، وعاتبوه أكثر من طروحاته الجريئة، بضرورة انشاء كازينوهات على الارض الاردنية لغير الاردنيين، مثلما تفعل على الاقل بلد الأزهر الشريف منذ عشرات السنين.
للسياحة شروط وأدوات لا بد من توفرها، ففي البترا والعقبة والبحر الميت أمن وأمان قد لا يتوفران في أي مكان آخر في المنطقة، لكن هذا وحده لا يكفي لجذب السياح، الذين يريدون ان يشاهدوا كل شيء متوفر في المنطقة التي يرتادونها، يريدون شواطئ نظيفة، وفنادق لا تستغلهم، وبرامج سياحية تخدمهم، يريدون أسواقًا تراثية، وبعضهم يريدون كازينو، وأماكن ترفيه ومنتجعات توفر لهم احتياجاتهم كلها.
لقد تأخرنا كثيرا في الوصول الى مصاف الدول المستثمرة في السياحة، باعتبارها صناعة تدر دخلا كبيرا على البلاد، فقد سبقتنا دول لا تمتلك مقومات سياحية، وأمنية مثلنا، ومواقع غير موجودة لديهم كالبحر الميت والبترا والمغطس، ومع هذا لا نزال ممرا للسياحة، برغم اننا نملك 533 فنـــدقا، تشغل 15736 موظفا، ويبلغ عدد المطاعم السياحية 970 مطعما يعمل فيها 19450 مستخدما. ويتشابك قطاع الفنادق وحده مع 58 نشاطا اقتصاديا، لتزويده بمستلزمات الانتاج السلعية والخدمية اللازمة.
السياحة في هذه الايام ابداع وابتكار، وهي عملية انتاج مترابطة، واستراتيجيات وخطط عمل متطورة، وهي تحويل المقومات الطبيعية وغيرها الى مردود اقتصادي مهم، وهي تنمية مستدامة وخلق فرص عمل، هي فعلا صناعة بامتياز.
لم تعد السياحة مجرد التغني بارضنا الخضراء، ولافتات على الشوارع والطرق، وملحقية في عمل الحكومات، بل اصبحت خططا واقعية، وتقنيات جديدة، ومقاربات جديدة متطورة، وحاجة الى ان نعرف كيف نحول السياحة إلى عملية انتاجية يومية ناشطة في المناطق كافة.
تحتاج السياحة الى موازنات ضخمة للترويج لها، فنحن لسنا اقل اهمية في الجانب السياحي من مصر التي تخصص مئات الملايين من الدولارات لجذب السياح، الى مواقعها الاثرية، بينما نخصص نحن ارقاما لا تذكر في المنافسة السياحية.
(العرب اليوم 2015-06-16)