الرمادي سقوط أم تسليم

هل سقطت الرمادي وقبلها الموصل بفضل انتصارات وهمية لداعش، ام جرى تسليم المدينتين وما حولهما من صحارى شاسعة لهذا التنظيم الاجرامي التكفيري، وما السر في كل مرة، وراء تكليف عسكريين محددين للدفاع عنهما، حيث صدرت الاوامر بالانسحاب وترك العتاد والعدة كما هي.
وعلى اهمية المعطيات والسياقات والشروط الموضوعية في كل مرة، الا ان ما جرى في الموصل والرمادي وما سيجري من تسليم الانبار برمتها لداعش، هو سيناريو جديد – قديم، اختلفت فيه الادوات وحسب.
اما الهدف الاساسي لكل ذلك، فهو خلق بافر ستيت او منطقة عازلة مدججة بالاسلحة والكراهية والاحتقانات الطائفية، تفصل القوى الصاعدة في اسيا واوراسيا عن شرق المتوسط، اي تفصل ايران وروسيا والبريكس الاسيوي عن سورية وحزب الله في لبنان. وليس بلا معنى ان يتزامن تسليم الرمادي لداعش مع تقدم الجيش السوري وحزب الله في القلمون الذي كان مشروع بافر ستيت اسلامي لم يقيض له النجاح. ويذكر هنا ان تسليم الموصل لداعش، سبق وترافق مع هجوم آخر للجيش السوري وحزب الله في القلمون ايضا. ومن المؤكد ان اي تقدم مماثل للجيش السوري وحزب الله نحو جرود عرسال، سيقابله تسليم المزيد من المدن العراقية لداعش حسب البافر ستيت المنشود.
وهو ما يذكر بما شهدته المنطقة في نهاية سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي عندما شنت موسكو حملة واسعة على محاولة عزلها وحصارها عبر كامب ديفيد، من جهة وعبر سيناريو حرب النجوم الذي استدعى تهيئة الشرق الأوسط لمسرح واسع من التصعيد.
فمن دعم موسكو للانقلاب العسكري اليساري في افغانستان، الى الترحيب بالثورة الايرانية، الى حث الرئيسين العراقي، احمد حسن البكر، وحافظ الأسد على توقيع مذكرة تفاهم وتعاون (يتبادل الرئيسان فيها الرئاسة والعاصمة ويكلف الدكتور منيف الرزاز بمتابعة الحزب في البلدين).
وقد اعتبرت امريكا وتل ابيب هذا المحور اخطر محور يهدد مصالحها الاستراتيجية (محور افغانستان – ايران – الهند – العراق – سورية – المقاومة في لبنان).
وقد انتهى كل ذلك بتطورات معروفة في العراق وايران وبالحرب العراقية – الايرانية والعدوان الصهيوني على الجيش السوري والمقاومة الفلسطينية في لبنان، ولاحقا بضم (مصر كامب ديفيد) الى مجلس التعاون العربي (العراق – مصر – اليمن – الأردن). كما انتهى بسقوط العسكر اليساريين في افغانستان، وبصعود الاسلام الامريكي المسلح، وخاصة محاولاته اسقاط النظام في دمشق..
وليس بلا معنى ان العديد مما عرف بقادة (جيش محمد ) الاخواني آنذلك هم اليوم في صفوف الجماعات التكفيرية.
وليس بلا معنى ايضا ان العديد من ضباط الجيش العراقي السابقين تركوا البعث وانضموا الى داعش.
ولقد سبق ان كتبت بعد تأسيس داعش في العراق وسورية بأن هذا التنظيم الذي يزعم تمثيل اهل السنة، اوجدته المخابرات الامريكية والاسرائيلية والرجعية نفسها التي أطاحت التفاهم السوري – العراقي القديم، واشعلت الحرب العراقية – الايرانية آنذاك، ووفرت الاجواء للعدوان الاسرائيلي على الجيش السوري في البقاع وعلى المقاومة في الجنوب والضاحية الجنوبية التي انتقلت من المقاومة الفلسطينية الى حزب الله. فالوظيفة هي نفسها بافر ستيت من الحقد والكراهية الطائفية والاسلحة…
(العرب اليوم 2015-06-18)