أحمد منصور وأسرار الجولاني

لأن الحريات العامة، والصحافية تحديدًا كتلة واحدة لا تتجزأ، فإما أن تكون مع الحريات أو لا تكون، مهما اختلف معك الشخص الآخر على وجهة نظر، أو فكرة، فإننا نتضامن مع الاعلامي المصري أحمد منصور، أبرز صحافيي قناة الجزيرة، الموقوف الآن في المانيا بناء على طلب من الانتربول المصري في قضية محكوم بها في مصر.
من الطبيعي، بل ومن الواجب التضامن مع حرية الصحافة والصحافيين والحريات عمومًا، لكن عندما يغلب الصحافي ايديولوجيته ويصبح ضمن قوات حزب سياسي أو دولة فإنه يعرف أنه الآن في مستوى أي سياسي معارض يتحمل المسؤولية عمّا يتصرف ويقرر.
احمد منصور ليس بالصحافي العادي، وموقفه المعلن من دعم وتأييد جماعة الاخوان المسلمين لا يستطيع اخفاءه في معظم تقاريره وحواراته المتلفزة، وتتعامل معه الدولة المصرية على أساس انه عنصر قيادي في الاخوان المسلمين.
في الحوار الذي أجراه في حلقتين مع أمير جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، تجاوز منصور عشرات الأسئلة التي طرحت بعد الحوار، التي لم يجب عليها، أو يوضحها كعادته، من أبرزها؛ ما هو الدافع إلى هذا الحوار غير تسويق تنظيم القاعدة، حيث أكد الجولاني في أكثر من مفصل وبصراحة أن قائده ومعلمه هو أيمن الظواهري؛ وانه ينفذ توجيهاته، ومن يصدق ان جبهة النصرة لا تتلقى دعما من دول..؟!.
الجولاني ظهر على الجزيرة من دون ان يكشف عن وجهه، واذا كان احمد منصور حامل الجواز البريطاني يتجول بسهولة في الدول الاوروبية فإن استخبارات هذه الدول تريد ان تعرف اكثر واكثر عن اسرار هذا الحوار، ومن هي الجهات الاستخبارية الاخرى التي سهلت الوصول الى الجولاني، او اية معلومات اخرى لم يتم بثها في الحوار.
ليست هذه المرة الاولى التي يتعرض فيها صحافيون من الجزيرة الى التوقيف والاعتقال والسجن، فالاعلامي السوري تيسير علوني سجن عدة سنوات بتهمة الانتماء الى تنظيم القاعدة، وايصال رسائل واموال الى عناصر القاعدة في دول عديدة، كما سجن صحافيون مصريون من طواقم الجزيرة عدة سنوات في السجون المصرية بتهمة الانتماء الى جماعة الاخوان المسلمين، وفي كل هذه الحالات كان هناك تضامن اعلامي عربي وغربي واسع معهم ومطالبات بالافراج عنهم.
السؤال الآن؛ لماذا حتى الان لم تعلن اكثرية المنظمات الاعلامية الحقوقية في العالم تضامنها مع الاعلامي احمد منصور، وهي التي تتسابق دائما في اعلان مواقفها وتضامنها مع اي اعلامي يتعرض لاي اذى او اعتقال او ضغوطات.
الجواب باعتقادي ان بعض هذه المنظمات يرى ان منصور وبعض الاعلاميين تجاوزوا دورهم الاعلامي الى ادوار اخرى تنافس السياسيين وقادة الاحزاب المعارضة، ودخلوا في اللعبة السياسية، أطرافا لا اعلاميين يتابعون الخبر، ويناقشون في التحليل، ويقدمون خدمة اعلامية مهنية للجمهور.
(العرب اليوم 2015-06-23)