"يلا نفصل عن بعض"!

تم نشره الأربعاء 24 حزيران / يونيو 2015 12:59 صباحاً
"يلا نفصل عن بعض"!
مروان المعشر

 

اللغط الذي رافق حملة الشباب الرائدة "يلا نفطر مع بعض"، مقلق إلى حد كبير. لأنه يشير إلى بعض القيم الاجتماعية البالية التي من المفترض أن نتخطاها في هذا البلد.

في البداية، كان تفسير منع حملة رائدة، هدفها تعظيم اللُّحمة الاجتماعية بين الناس في هذا الشهر الفضيل عن طريق الإفطار الجماعي، تفسيراً ملتوياً ومقلقاً، يحاول العودة بمجتمعنا إلى الوراء. فصار الاختلاط مدعاة للرذيلة (!) بدلاً من أن يكون مدعاة لُحمة بين الناس. وخرجت بعض الأقلام لتقول لنا إننا مجتمع إسلامي؛ كأن الإسلام يوماً حرم الاختلاط بين الناس. وهنا، يجب على المجتمع المدني أن يكون واضحاً وضوح الشمس.

فأولاً، إن معظم المذاهب الدينية لم تحرم الاختلاط على الإطلاق، بل كانت المرأة تشارك الرجل أيام الرسول محمد، صلّى الله عليه وسلم، حتى في المعارك. وثانياً، إن الموضوع لا يتعلق بالتفسيرات الدينية فقط، ولا بالتحجج بأننا في دولة دينها الإسلام، لأننا أيضاً في دولة تحكمها قوانين مدنية، وليس في ذلك تعارض مع دين الدولة، والاختلاط موجود بيننا في المجالات كافة؛ في جامعاتنا ومجلس وزرائنا ومجلس نوابنا ومجلس أعياننا ومؤسساتنا الرسمية والأهلية، والحمد لله.

كفانا اختباء وراء الدين لمنع المرأة من أبسط حقوقها، ولإبقاء الهيمنة الذكورية المريضة تحكم عقولنا وغرائزنا، وإلا فلا نختلف عن أحد رؤساء الدول الذي خرج علينا بفتوى أهمية تعدد الزوجات في منع الخيانة لدى الزوج. حان الوقت للوقوف بكل وضوح ضد هذه المفاهيم التي تنظر إلى المرأة كسلعة، فيما هي الشريك الذي لا بديل عنه لتطوير المجتمع. كما حان الوقت لعدم الخوف من تفسيرات دينية منغلقة، لا تمثل التاريخ الإسلامي وتعاليم الإسلام السمحة.

أما التفسير الآخر الذي أُعطي متأخراً -بعد أن جوبه التفسير الأول باستهجان من قطاعات في المجتمع، رأت فيه ذكورية متخلفة، بل ومريضة- فهو أن الإفطار الجماعي يعيق حركة السير، أو أن المكان ليس فيه مرافق صحية مناسبة. وهذا تفسير غير مقنع أيضاً.

فمن واجبات أمانة عمان، كما هو دور البلدية في أي مدينة، مراعاة الصالح العام، واتخاذ إجراءات لتشجيع الناس على الألفة والتواصل والتآخي، لا العكس. وعلى سبيل المثال، عندما كنت أقطن في واشنطن العاصمة، كانت البلدية تغلق شوارع، بل وأحياء بأكملها، لتشجيع فعاليات من قبيل سباق دراجات هوائية أو الركض من أجل جمع التبرعات لمشروع خيري أو خلافه. ويجري التنسيق مع منظمي الفعالية من دون مشكلة. لماذا؟ لأن الصالح العام أهم من بعض الإزعاجات التي قد تنتج عن إعاقة حركة السير.

لِم تكون ردة الفعل الأولى لدينا، عادة، هي المنع، بدلاً من توفير المناخ المناسب الذي يرضي الجميع، خاصة إذا كانت الفعالية تهدف لتحقيق الصالح العام، والألفة والوئام؟!

ليس لدي شك في أن معالي أمين العاصمة عقل بلتاجي، يدرك ما أقوله، ويوافق عليه. لكن الموضوع لا يتعلق بشخص، بقدر ما يتعلق بثقافة مجتمعية، وبالنظرة نحو المرأة، وتعريف الصالح العام. عمان مدينتنا جميعاً، والأردن وطن الجميع؛ رجالاً ونساء.

على المجتمع المدني مسؤولية كبيرة بأن يقول كلمته، ولا يسمح لعقلية ذكورية تختبئ وراء الدين بأن تحلل وتحرم وفق أهوائها وغرائزها، وعلى حساب نصف المجتمع. ومرحى لمن استخدم حقه في إيصال صوته لصانع القرار، باستخدام وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة، مثل "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، ما دعا صانع القرار إلى التراجع. ففي هذا العصر، لم يعد هناك قرار غير خاضع للتمحيص والنقاش من المواطن العادي.

(الغد 2015-06-24 )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات