(جمانة وشيماء).. اعدام اجتماعي للطفولة والانسانية

منذ اللحظة الاولى لاختفاء الفتاتين (جمانة وشيماء) وانا في حالة قلق شديد على التغيرات التي تصيب مجتمعنا ولا احد يقف (من السلطة ومراكز الدراسات ومؤسسات المجتمع المدني) وقفة جادة لضبط ايقاع الحياة الاجتماعية، والى اين نحن سائرون؟!
قد نصطدم بالحيط في الموقف السياسي والاقتصادي، لكن ان نصطدم بالموقف الاجتماعي فهنا الخطورة والدمار الكبيرين.
بعيدا عن الروايتين المتناقضتين اللتين انتشرتا بعد العثور على (جمانة وشيماء) فإن تبني احداهما واغفال الاخرى لا يعنيني كثيرا، المهم ان الطفلتين عادتا سالمتين معافاتين للحياة.
حادثة (جمانة وشيماء) كشفت عن مخزون بائس يسكن في عقول بعضنا، تحكمه عقلية المؤامرة، وقذارة الفكر، وهوس الاشاعات، واختلاق القصص والحكايات.
هذا للاسف لم ينحصر في فئة تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي على قاعدة الاغتيال وضرب القيم الانسانية المحترمة كلها، بل تعداه الى قيام وسائل اعلامية فضائية واذاعية، وصحافية ورقية والكترونية، بالبحث عن السبق الصحافي من دون النظر الى خطورة الحادثة على الطفولة والانسانية.
وبرغم أن القانون يحظر نشر اسم وصورة الحدث إلّا أن عددا من وسائل الإعلام قام بنشر اسم وصورة الفتاتين اللتين تغيبتا عن منزلي ذويهما لعدة ايام.
وينص قانون الاحداث رقم 32 لسنة 2014 المنشور على الصفحة 6371 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5310 بتاريخ 2014/11/2 في المادة 4-ح: على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، يحظر نشر اسم وصورة الحدث أثناء اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون
وتنص المادة 42- ب: من دون الإخلال بأية عقوبة اشد ورد النص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام الفقرة (ح) من المادة (4) من هذا القانون بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تتجاوز خمسمئة دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.
اخطأ الاهل منذ اللحظة الاولى في ايصال صورة الطفلتين الى وسائل الاعلام، وارتكبت وسائل الاعلام جريمة نشر صور الطفلتين واسميهما كاملين، وهنا من حق القضاء ان يحاسب كل من ارتكب هذا الجرم لكي نتعلم جميعا من اخطائنا.
لكن الخطأ الاستراتيجي هو كيفية تعامل الامن العام مع القضية، التي استدعته ان يصدر بيانين في غضون ساعات، اعتذر في الثاني عن خطأ غير مقصود في الاول، وتحركت وزارة الداخلية امس لتهدئة الامور، وتصويب الروايتين.
في القضايا الاجتماعية لا يسمح بالخطأ في التقدير والرؤية، ونحتاج فعلا الى عُقّال كي يعالجوا اية قضية تقع، بعيدا عن تغليب الامني على الاجتماعي.
في دول العالم كلها لا توجد هناك روايتان في الحوادث الاجتماعية، هناك رواية واحدة، حتى لو اضطر الامن العام الى التوافق مع الاهل على الرواية، لان في هذه القضايا اعدام اجتماعي للطفولة والانسانية، وحرق ووسم على الجبين لا تزيله السنوات.
اكثر ما نحتاجه في هذه الفترة الصعبة علينا وعلى المنطقة، المحافظة على التوازن الاجتماعي في مجتمع آمن ومطمئن، وان لا يتم تقاذف الكرات الملتهبة من جهة الى اخرى، لانها في النهاية (لا سمح الله) سوف تحرقنا جميعا.
(العرب اليوم 2015-06-25)