آخر متر مربع !!

تم نشره الإثنين 29 حزيران / يونيو 2015 01:38 صباحاً
آخر متر مربع !!
خيري منصور

قبل اربع سنوات وفي مساء ماطر ومشحون بالريبة، كنت اجلس مع صديق لبناني في مقهى بعاصمة عربية، وأخذتنا التداعيات بعيدا الى زمن عشناه معا وكان الحلم فيه مُمكنا، وقبل ان تستغرقنا النوستالجيا قاطعني قائلا : ما اخشاه هو الا نجد ذات يوم مترا مربعا آمنا في هذا الوطن العربي من الماء الى الماء، لأن حدوده ستصبح من الدم الى الدم، وكنا صديقي وأنا نتابع تلك الطائرة السوداء الاشبه بالغراب منذ اقلاعها الى ان اختفت وراء السُّسحب، وأعني بذلك أننا كنا كلما التقينا نتحاور حول تقارير بول فويتس عام 1979 وعن كتابات برنارد لويس وهنري ليفي وفريدمان وبقية السلالة، ونشمّ عن بُعد رائحة نَتِنة تفرزها ضباع شقراء، بعد ان نفخت زفيرها في وجوه ملايين الضحايا الذين تبعوها الى المغارة، والقليل منهم من ارتطم رأسه بالسقف وكان الدم الذي غطى جبينه هو البلسم الذي أنقذه من غيبوبة نهايتها الموت المحتم .

لكننا لم نكن نجهر بهواجسنا امام اي شخص ثالث، لأننا ذات يوم فعلنا ذلك، وتعرّضنا لما يشبه التوبيخ على افراطنا بالتشاؤم . والمسألة باختصار هي ان من كانوا يشمون عن بُعد الرائحة النّتنة حوصروا بما يشبه الإرهاب، ووجدوا من يصفهم بالرجعيين واحيانا بالعملاء، فلاذوا بالصّمت الى ان جرى ما جرى، ثم صاروا يسمعون الآخرين ممن استهجنوا آراءهم يرددون كالببغاوات الكلام ذاته، وربما ما هو اكثر منه بحيث اصبح المثل القائل « فوق حقّه دقّه « هو العبارة الوحيدة التي تليق بهذا الحال! أعرف ان من سبق اخوته ليبلّغ امه انها اصبحت ارملة وأن أباه مات لا يستحق جائزة على ذلك الا اذا كان الغراب يستحقها وهو ينعق فوق الخرائب والاطلال، لكن هناك من يرون الاشياء بعيونهم ويسمعون الاصوات بآذانهم مقابل آخرين يوجد امامهم من يرى نيابة عنهم ويصغي نيابة عن آذانهم، لكن المفارقة الخالدة هي ان من يرى بعينيه ويسمع بأذنيه يُعاقَب، تماما كما عوقبت زرقاء اليمامة لأنها قالت، إن ما يراه الناس من حولها ليس اشجارا تمشي بل هم غزاة يخفون رؤوسهم وسيوفهم تحت الأغصان ! ومنذ تلك الحكاية وربما قبلها بكثير وأحصنة طروادة الخشبية تتسلل الى عقر اوطان ظنّ اهلها انها آمنة وراء الاسوار . ان من صدّقوا ان السراب الذي صنعته عيونهم لفرط الظمأ ماءٌ زلال يموتون الان عطشا ولا يجدون حفنة ماء لغسل موتاهم . كم اختلط الأمر علينا حين ظننا ان الغسق شفق وان القبر المفتوح خندق ... والى اللقاء في آخر متر مربع !

(الدستور 2015-06-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات