هدر الغذاء والمياه والطاقة!

لا يعقل أن نكون ضمن قائمة الدول التي تستورد الغذاء وتعاني من عجز مائي يجعلها ضمن أكثر دول العالم فقرا على صعيد إمدادات المياه، ثم نتصرف بتراخ مفرط، واستسهال مقلق، حيال هذه التحديات، وكأن التحديدات الماثلة أمام الدولة الأردنية لا تخص أبناءها الذين لا يلتفت جلهم إلى مخاطر إهدار الغذاء والمياه.
ثمة صورة وردية ترسمها مجموعة من الغيورين في كل رمضان، ضمن مبادرة "مطبخ العائلة". وهي مبادرة شبابية، بدأت منذ خمس سنوات، وتقوم فيها فرق نشيطة بجولات على المطاعم والفنادق الكبيرة، فتحصل على الطعام الزائد ليتم تغليفه ونقله إلى مقر المبادرة، وثم توزيعه على الفقراء في المدن والأطراف. وهو طعام صالح للاستهلاك بنسبة 100 %؛ إذ تتحقق فيه شروط النظافة والسلامة كافة، ويتم التشدد في اختياره كي لا تكون هناك أي شبهات بشأنه.
بدأت هذه المبادرة صغيرة ومن دون جلبة. لكنها اليوم وصلت إلى مدن وقرى ومخيمات عديدة. وفي بلد يرتفع فيه عدد بؤر الفقر إلى 31 منطقة، فإن الحاجة ماسة لإطعام هؤلاء، وتوفير الغذاء اللازم لهم. فيصبح النجاح مزدوجا عندما يتم توفير هذه الحاجة من فائض الطعام الذي درجت العادة على رميه في سلة المهملات.
تريليون دولار (ألف مليار دولار) هو حجم الهدر الغذائي سنويا على مستوى العالم، يمثل أغذية تنتهي إلى سلة القمامة. أما في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فيقدر حجم الهدر الغذائي بمئات مليارات الدولارات. وتكشف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو"، أن استرداد نصف ما يتم هدره فقط، كفيل بأن يطعم العالم كله. غير أن مشهد الهدر هو المتسيد في اللحظة الراهنة؛ ففي كل عام يتم هدر 30 % من الأغذية المستهلكة في المنازل والمطاعم.
أما التحدي الأكبر، والذي لم نفعل حياله الكثير، فهو هدر المياه في الأردن. وكانت دراسة سابقة لوزارة المياه والري أوضحت أن أكثر من نصف الأردنيين لا يقومون بأي أعمال صيانة لخزانات المياه في بيوتهم، ما ينطوي على هدر واسع في مياه الشرب. وإذا علمنا أن 45 % من المياه المستهلكة في المنازل تذهب داخل دورات المياه، كما تذهب نسبة 30 % أخرى للاستحمام، فيكون بالإمكان أن نحدد أين يكمن حجم الهدر للمياه التي تشح يوما إثر آخر، في موازاة تصرفات فردية ومجتمعية، وسلوكيات اقتصادية، تكشف اغترابا مفزعا بين عوامل ضعف الاقتصاد الأردني وحقيقة السلوك تجاهها.
الهدر في الطاقة لا يقل خطورة عن هدر الغذاء والمياه. فنسبة الفاقد في الطاقة والكهرباء محلياً تتعدى 20 % من مجمل استهلاك الطاقة، وهي الأكبر في العالم مقارنة بمعدل عالمي للفاقد يتجاوز 5 %. بمعنى آخر، تخسر المملكة سنويا نحو مليار دينار، في هدر متراكم وغير مبرر. علما أن تحدي توفير إمدادات الطاقة بأسعار مقبولة محليا، يرافق كل الحكومات، ويمس على نحو مباشر معظم الشرائح الاجتماعية، وفي مقدمتها الفقراء وذوو الدخول المتدنية.
يسهم شباب "مطبخ العائلة" في إطعام آلاف الفقراء خلال شهر الصيام، بما يتوافق مع روح ومضمون هذا الشهر المبارك. والمأمول أن تتسع تجربتهم الناجحة لتشمل أي جهود من شأنها وضع حد للهدر المتراكم، ونزيف الخسائر الاقتصادية والمالية.
(الغد 2015-06-30)