الفَلَسْطَنة المعكوسة !!

كان مصطلح الفلسطنة يعني ما هو أبعد من الجغرافيا، بحيث يصبح تعريب فلسطين وأسلمتها بمثابة المضاعفة لعدد الشعب الفلسطيني، وقد تحولت الفلسطنة بالفعل في اوج الحراكات التحررية في العالم الى اختيار ثقافي وسياسي، اما الوعد فقد كان على ما يبدو اقرب الى الخيال السياسي منه الى الواقع . فما حدث ليس فقط عدم تحرير فلسطين بل تحول عدة اقطار عربية الى فلسطينات اخرى، سواء بمعنى الاحتلال المباشر او التشريد، فعدد العرب الذين شرّدوا من اوطانهم خلال الاعوام الاخيرة اضعاف عدد الفلسطينيين، وكذلك عدد القتلى في حروب الاخوة الاعداء، انها اذن قَلَسطنَة معكوسة، انتظر فيها عبد المعين الفلسطيني من يعينه فوجد نفسه مُطالَبا بالعون، وتحول من لاجىء الى ملجأ كما حدث في بيروت قبل الاجتياح عندما اجتذبت تلك العاصمة العربية اعدادا غفيرة من عرب ضاقت بهم الارض، وكانت مفردات من طراز التحرير والمقاومة حكرا على فلسطين خلال عدة عقود، لكن ما ان اختلط حابل العدو بنابل الشقيق حتى اصبحنا مضطرين الى ايضاح ما نعنيه بالاحتلال، هل هو للكويت ام للعراق ام لفلسطين ؟ وأدى هذا التعويم للمفاهيم والمفردات التي تعبر عنها الى ما نحن عليه من التباسات واشتباكات تبحث عمن يَفضّها، فهل غيّر التاريخ مجراه وخيّب الرهانات ام ان من آمنوا بحتميته نسوا انه ماكر وقد تهب عواصفه من الشرق وليس من الغرب او من الشمال وليس من الجنوب، بحيث لا تصلح معه اية ارصاد . من السّهل علينا جميعا توصيف ما نتج عن الخلل الجذري في الرؤى والمناهج والافكار، لكن الذهاب الى ما بعد التوصيف من تحليل محفوف بالمحاذير، ما دام هناك اصرار لدى الأغلبية على إنكار الواقع، وتخيل بدائل مرغوب فيها لما يعج به من شقاء، ان الفلسطنة المضادة او المعكوسة تتلخص في امرين اولهما تحول اللائذ الى ملاذ وثانيهما هو ان العرب كانوا بفلسطين واحدة ولم يحتملوا اعباءها، فكيف ستكون الحال بهذا العدد من الفِلِسطينات وهذا الرقم القومي من اللاجئين سواء في عقر الوطن او المنافي ؟
(الدستور )