رائحة الموت في الغور

ما من شك في أن الملف البيئي مؤجل في الأردن، ولا يمثل أولوية بالنسبة لجهات عديدة، في مقدمتها الحكومة والمصانع، كما الأفراد. ورغم التحذيرات الكثيرة من حدة المخاطر والسلبيات التي تحيط بسلامة البيئة والإنسان في البلاد بفعل نشاطات اقتصادية غير قانونية، إلا أن واقع الحال يشير إلى ضعف الاستجابة الحكومية والاقتصادية والمجتمعية عموما لهذه التحذيرات.
أضم صوتي إلى مطالبة النائب والتربوي مصطفى الرواشدة بإغلاق مصنع البرومين في الأغوار الجنوبية. ففي التفاصيل، يشكل هذا المصنع خطرا بيئيا على سكان الأغوار وبعض المناطق الجنوبية، منها لواء عي، الذين تصلهم على مدار الساعة سموم وغبار المصنع.
ولنا أن نتخيل لو أن شركة البرومين التي تأسست قبل 12 عاما في غور الصافي، بشراكة أميركية-أردنية ("بيمارل" الأميركية و"البوتاس" الاردنية)، برأسمال قدره 130 مليون دولار، كانت في الولايات المتحدة؛ لأصبحت شروط البيئة وسلامة السكان حاضرة بكل تفاصيلها الدقيقة. أما أن تنبعث رائحة الموت من هذا المصنع وترعب السكان في الغور الفقير، فهذا مما لا يمكن السكوت عليه. وعلى الجميع تحمل مسؤولياته لوضع حد لهذا الخطر الكبير، وبحيث يتساوى في قيمة هذا الدور وضرورته البرلماني والصحفي والسياسي ورجل الأعمال والناشط البيئي.
وصناعة البرومين -أو الرائحة النتنة كما هو معنى الكلمة بالإغريقية- تستلزم تحقيق أعلى مستويات السلامة البيئية، بخلاف الحال في غور المزرعة، حيث يحيط التلوث والخطر بالسكان في أرضهم وهوائهم، بحيث أصبح المصنع قنبلة موقوتة. علما أن أي تسرب لغاز البرومين من داخل المصنع سيتسبب بقتل جماعي لكل من يستنشقه. وفي المقابل، هناك رائحة كريهة تشبه الرائحة المنبعثة من الكلور تنتشر بكثافة بالقرب من المصنع.
من المفارقات المؤذية التي تحصل في هذه المنطقة المنكوبة بيئيا، أن مصنع البرومين يتوقف عن الإنتاج أثناء هبوب الرياح الشرقية الشمالية. وقد لاحظ سكان المنطقة أن التوقف عن العمل في المصنع يأتي بهدف منع وصول غبار مصنع البرومين إلى إسرائيل في الجهة المقابلة من البحر الميت، وليستأنف المصنع عمله مع وجود رياح طبيعية لا تتجه صوب إسرائيل! فهل أرواح الإسرائيليين أغلى من أرواح الأردنيين؟ أم أن العبث وصل إلى هذا الحد في التعامل مع ملف يمس صحة وسلامة الأردنيين وبيئتهم.
علاقة النشاط الاقتصادي بالبيئة ليست في أحسن أحوالها في الأردن؛ فهناك مخاطر بيئية ذات صلة بالاقتصاد. إذ بسهولة يمكن استنشاق رائحة الأمونيا في المنطقة الصناعية بالعقبة، القريبة من حدود الدرة مع السعودية؛ وكذلك مشاهدة التلوث بكل ألوانه في الزرقاء والرصيفة بالقرب من المصانع. أما شاطئ البحر الميت المتروك لعموم الأردنيين بقصد التنزه، فهو مكرهة صحية وبيئية. لكن لا تلقي الحكومة بالا لهذه المشكلات، وتتعامل معها بأساليب لا جدية أو حزما فيها.
نصف الأردنيين يعانون من أمراض الحساسية الناتجة عن التلوث البيئي، وثمة ارتفاع في نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وتصلب الشرايين والعيون وأمراض الجلد في أوساط سكان المناطق الصناعية. والمأمول أن يتحمل الجميع مسؤولياته، حتى لا تتفشى هذه الأمراض أكثر في البلاد. ويستحق النائب الرواشدة أن نقف إلى جانبه في هذه المعركة الضرورية لإغلاق مصدر تلوث سيأتي على حياة أطفالنا في الغور خلال بضع سنوات إذا استمرت الحال البيئية على ما هي عليه.
(الغد 2015-07-14)