عندما يصبح صاحب الدين كغيره من الغشاشين!

كانت من عائلة ميسورة الحال بل ممن يصح وصفها بالعائلات المخملية والبرجوازية التي لا تعرف من الاسلام الا انها ولدت به كديانة وشاء الله ان تتدين في مرحلة الجامعة على الرغم من التثبيط والسخرية بل احيانا الاشمئزاز من جانب اهلها الذين أصبحوا ينظرون اليها كعار على العائلة بتفكيرها ولباسها، وكل هذا يهون عن مرحلة بعد الجامعة وبدء توافد العرسان فهي تملك كل شيء.. الجمال والمال والعائلة حتى الرجال من وسطها يمكنهم التغاضي عن الحجاب طمعا في استمالتها ونزعه بعد الزواج او خمود حماستها بعد الجامعة وانقطاعها عن زميلاتها او في اسوأ الاحوال الرضى بالحجاب «المودرن» الذي لا يشبه الحجاب في اي شيء بل قد يكون مع المساحيق والازياء زيادة على جمالها الطبيعي!
ومع تقاطر العائلات حتى اصبح الباب لا يقفل والهاتف لا يهدأ ولما لم تعد تجد اعذارا سخيفة تتعلل بها اعلنتها صريحة لاهلها: لا تتعبوا انفسكم لن اخذ الا صاحب دين! اعلانا ارقد امها في سرير المرض اياما وهي تتودد اليها ولكن دون ان تغير رأيها!
جاء صاحب الدين بالمواصفات التي رسمتها وقرأت عنها وحلمت بها ولما تأكدت انه يصلي الفجر في الجامع كادت الفرحة تعقد لسانها، لما قال لها اريد ان تعينيني في ديني كاد عقلها يطير! لما اخبرها بمشاريع العمل والقراءة والعائلة والطموح انتهى الامر وظنت انها وجدت يوسفها الذي ستقاتل الدنيا للفوز به! وقد كان ما تنبأت به صحيحا فقد كانت حربا ضروسا مع الاهل الذين وافقوا على مضض ولم يسيروا معها في شيء ولولا خوفهم من كلام الناس لما شاركوا في حفل زفافه ولا اوصلوها لبيتها وكان عدم رضاهم واضحا للجميع ولم يحاولوا اخفاءه الا ان الفتاة كانت تحلق في السماء السابعة وهي مقتنعة انها حصلت قرة العين في الدنيا والاخرة وان بيعها ربح ايما ربح!
ليست قصة خيالية فالحياة وقسوتها وبشاعتها قد تتفوق على الخيال وليس فيلما هنديا ولا مسلسلا تركيا ولكن تجربة مريرة للاسف تلصق بالدين لان اصحابها يظهرون بمظهره وهم خالون من جواهره ومضمونه.
لكم ان تتخيلوا، ولا بد انكم سمعتم عن مواقف مشابهة، عن الشيخ الذي انقلب في فترة قصيرة الى اخلاق من لم يولِ وجهه تجاه قبلة ابدا ولم يناجِ الله باسمائه ولم يعرف ولم يدرس ولم يقرأ عن الاسلام بل الادهى انه ظل يصلي ويخرج الى المسجد بعد ان اشبع زوجته من سوء المعاملة ما لا يحسنه خريج سجون! وبعد المعاناة كان في انتظارها ما هو اسوأ من شماتة وتقريع العائلة ليس لها وانما للدين والاسلام وهي لا تستطيع ردا، فالجواب اختفى في كدمات قلبها وانكسار نفسها وكرامتها المهدورة وحقوقها الضائعة حتى بعد الطلاق!
ما أكثر ما سمعنا من هذه القصص بل مرت معنا شخصيا في اناس يلبسون قناع الدين ثم لا يلبثون ينسلخون منه مظهرين وجها غاية في البشاعة ونقع في حيص بيص بين عدم التصديق والانكار او التقريع لانفسنا لوقوعنا في شرك الاخذ بظاهر الخير مرات ومرات انقلبت علينا وخسرنا فيها دون ان نتعلم الدرس! فالاصل ان ظاهر الخير مرآة لباطن مثله، الاصل في الناس الصدق والامانة والشهامة وليس الغدر والخيانة والشيطنة واللا فلنتبع ولنعتنق ان الحياة صراع غاب وان البقاء للاقوى وان من لا يظلم الناس يُظلم وان لم تتغدَ بمن أمامك فسيتعشى بك!
ما الحاجة الى الدين اذن اذا كنا نظن اننا نتمثله بينما اخلاقنا على عهد انسان الغاب، ما الحاجة الى العبادات ان لم تهذب العور في نفوسنا واخلاقنا ومنطقنا واقوالنا؟! ألا نكون بهذا الانسلاخ بين لزوم شكل الدين والاداء الشعائري للعبادة مع البعد التام عن الحياة به بين الناس نسيء الى الدين ونهدم رسالته واركانه؟! كيف نكون سببا في بعد الناس عن الدين لانهم لا يستطيعون التفريق بين كمال المبادئ واخطاء البشر فيأخذون بأخطائنا موقفا سلبيا من الدين ككل ويطلقون التعميم ان المتدين والشيخ والملتحي والمحجبة يفعلون كذا وكذا وكذا وان التعامل مع غير المتدينين هو افضل مائة مرة مع من يدعون الدين؟
اننا في هذه المرحلة من أعمارنا نعايش صدق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا»، سيرون ان من يدعون الدين قد يضربونه في القلب، قد ينفرون الناس منه، قد يتلاعبون به ويشترون به ثمنا قليلا للوصول الى غايات ومناصب!
كيف تكون مسلما ملتزما تدعي التمسك بالدين ثم تكذب وتغش وتخون وتغدر وتسعى بالفساد او تبيع كلمتك وذمتك للمصلحة او النجاة؟! كيف تستطيع ان تظهر بمظهر المسلمين ثم تتخلق بأخلاق الكفرة والفسقة والظلمة؟ أليس الاصل ان الكثرة والغلبة للصادقين، والمنافقون شرذمة معروفة يسهل تبينها؟!
الى متى نظل نبرر ونعتذر ونقول تمسكوا بالمبادئ لا بالاشخاص؟ متى سيعمل الدين عمله في النفوس وتتطابق المدخلات لتخرج النتائج المرجوة في حياة الناس؟ متى سنكف عن الاعتذار عن الاسلام لأن اخلاق المسلمين لم ترق لتمثيله؟
«ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» ما أنزل الله هذه الرسالة التامة الكاملة الراقية لتكون موضع اتهام واعتذار بسبب اخفاقات متبعيها!
ان الاسلام يؤتى من قبلنا وبأيدينا أكثر مما يؤتى من اعدائنا، بتفربطنا بكل ثغرة خُلُق وتعامل الاصل ان يراها الناس فينا ليقتنعوا كم هو الدين عظيم!
يوم وصل الاسلام اقاصي الارض الى شعوب وحضارات وثقافات لا تشبه موطن نزوله الاول ولا متبعيه الاوائل وصل بتجار أمناء وعلماء اتقياء وقضاة عدول وجنود رحماء ومواطنين شرفاء، فعرف الاباعد الدين من خلال اخلاق اصحاب الدين فاطمئنوا اليه واتبعوه.
يا لتعاسة من كان سببا في تشويه دين الله وصرف عباد الله عنه بسوء خلقه، ويا لهناء من اذا تذكره الناس قالوا هذه سماحة الاسلام فهذا اصطفاء وتكريم، فالله يصطفي من الناس رسلا ليكونوا قدوة في الخير ومفاتيح للخير وهم الذين يخلدون في الاولين والاخرين ويذكرون بالطيب بين اهل الارض والسماء.
(السبيل 2015-07-23)