ما تبقى من العرب !

اذا اردت ان تتعرف مدينة تزورُها لاوّل مرة، اقرأ الإعلانات في صحفها، هي من تدلك على الأمكنة و مزاج ناسها ووضعها المالي والاقتصادي، هي من تقول لك أين تحتسي قهوتك الصباحية، اين تتناول طعامك واين تتعشى وتتمشى وأين تسهر إنْ كنت من محبي السهر . كانت تلك نظرية ما قبل المحطات الفضائية وما قبل قبل الموبايل الذي يضع كل العالم في صندوق باحجام مختلفة وتختار له شركات الاستعمار الاستهلاكي اسماء انيقة سهلة اللفظ صعبة الدفع.جهاز يضع في متناول عينك كل ما في الدنيا من سعر السمك في المحيط الاطلسي الى سعر متر الارض في المريخ، الى درجة الحرارة في جبال هملايا الى جبال اليمن التي تشهد اعلى درجة حرارة منذ حرب الستينيات، الى اهوار العراق التي جف فيها القصب، الى طرطوس وحمص والشام وحلب . ما يدلك على تفاصيل المدينة ايضاً اشارات المرور .ليس اين تذهب ولا تذهب بل اولئك الاطفال المفتوحة عيونهم على حزن عميق متعدد الجنسيات والاتجاهات والهدف واحد : «مشان الله تشتري «! علكة، محارم، دخان، و...ورد .لكنهم كلهم عرب صار لديهم الورد سلعة، والذهب لمن سبق ولبق و قتل .فاشارات المرور في المدن العربية حمراء منذ بدا «الربيع الدموي» لا العربي .لقد نبتت زهور حمراء في الحارات والحقول والارياف لكنها شقائق النعمان رمز الشهداء والقتلى والدم .ومن لم يمت بقذيفة او برميل او رصاصة فقد مات واقفا على حاجز او على اشارة مرور يستجدي ثمن رغيف من لم يعد لديهم سوى معدة حصى، دمعة حزن وتنهيدة الم .» الله يعينهم و يرجعهم لبلادهم « هذا ما يمكن ان تقوله وانت تتوجع، لا حول ولا مال معك تقدمه. هل يعودون الى بلادهم؟ لم تسجل الهجرات العربية الا نادرا عودة اللاجئين والمهجرين والنازحين .وها هم الفلسطينيون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم منذ 67 سنة .وكلما مرت سنة صدئت المفاتيح واصبحت البيوت ابعد .فلسطين صارت فلسطينات واللاجئون من كل الجنسيات .الجرح تعمق و»اتسع الرتق على الراتق «.ولم يعد ثمة راتق ولا من يرتق . الكل يرقب و يترقب ما تجود به القوى العظمى فيما العظام العربية تتحطم وتستخدم كحلا لعيون عاهرات بني صهيون . لم ينسوا فلسطين لكن دورها لم يات بعد.لانها عصية على النسيان .زيتونها اخضر، شعبها جبار، نساؤها ولادات وجيل بعد جيل يحتفظ بحق العودة وبكوشان البيت والبيارة والمصنع وحتى البحر المسجل باسمهم منذ تشكلت الارض. العرب منهمكون في حماية ما تبقى منهم ولهم من مدن ومن سيادة وامن . اشغلهم الملف النووي الايراني من صالة المتفرجين، ايديهم مكتوفة الى الخلف وعيونهم لا ترى . كان بامكانهم ان يضغطوا ويقايضوا .حل القضية الفلسطينية مقابل النووي الايراني .نعلم ان لا دور لهم في الملف ولم يحسب احد حسابهم فهو صفر اصلاً، لكن على الاقل ثمة حق واضح ومعترف به وتطالب به اوروبا و اميركا ايضاً، حل الدولتين .لكن لم يتحرك احد من العرب . شكراً لبيان وزراء خارجية اوروبا في بروكسل غداة توقيع الملف النووي الايراني الذي دعا الى تحرك سريع لاحياء عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل !!
(الدستور 2015-07-25)