الوصول متأخرا!

تأتي الحلول الاقتصادية الحكومية على جرعات، لكنها متأخرة في أغلب الأحيان، في وقت تبدو فيه الأسواق عطشى لكل ما من شأنه تحريك المياه الراكدة باتجاه نشاط مرتقب، يضمن لها الحد الأدنى من التعافي.
لم تقتنع الحكومة بدلالات أرقامها وبياناتها التي صدرت عنها حيال تعثر وتراجع التداول العقاري في البلاد، وظلت طيلة الأشهر الستة الماضية تكابر فوق جراح الأسواق وآلامها.
وسط حالة الإنكار هذه، انسحب عدد من المستثمرين في السوق العقارية، وفي مقدمتهم عراقيون. وكانت الوجهة تركيا، بعد أن كانت دبي في الماضي القريب. إذ عزز هؤلاء من تملكهم لشقق سكنية في عدد من المدن التركية، فيما كان خبر انسحابهم من عمان عاديا بالنسبة للحكومة التي لم تلتفت كثيرا إلى تراجع بيوعات غير الأردنيين إلى 155 مليون دينار في النشاط العقاري، وبنسبة تراجع تخطت
24 % في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، في حين لم يتجاوز إجمالي حجم التداول في سوق العقار خلال هذه الفترة 4 مليارات دولار.
ومع أواخر الشهر السابع من هذا العام، وبعد كل ما لحق بقطاع العقار من ركود وضعف، وعقب وصول آلاف المغتربين إلى البلاد، قرر مجلس الوزراء إعفاء رسوم التسجيل وتوابعها لجميع الوحدات السكنية المفروزة والمكتملة إنشائيا من شقق ومساكن منفردة، على أن لا تزيد المساحة على 150 مترا مربعا غير شاملة الخدمات.
صحيح أن المعنيين بالسوق العقارية يعتبرونه قرارا في الاتجاه السليم، ويعوّل كثير منهم على أن يحدث نشاطا في الأسابيع المقبلة، إلا أن قيمة مثل هذا القرار كانت لتكون أكبر وأكثر نفعا لو أنه جاء في توقيت مبكر من هذا العام، لاسيما أن ضربات متتالية طالت الاقتصاد منذ نصف عام، بعضها جاء على شكل تراجع في حركة التصدير، وأخرى من خلال انسداد وشلل مع الجارتين الشمالية والشرقية، وفي ثالث أزمة في الميناء البحري الوحيد للمملكة قبل شهر ونصف الشهر.
في حالة كهذه التي يعايشها الأردنيون خلال هذه الفترة العصيبة، نحن أحوج ما نكون إلى حكومة طوارئ اقتصادية، يتصدر أولوياتها بحث دائم عن مخارج وحلول لأزمات الاقتصاد والمعيشة التي تتدحرج بفعل الظرف الإقليمي الخانق.
هي دعوة لإيجاد فريق اقتصادي ذكي وديناميكي، قادر على إنعاش الحالة التجارية والصناعية والسياحية والخدمات والقطاع العقاري، وظروف المعيشة عموما، في ظل استمرار الحروب من حولنا، وانتشار حالة عدم اليقين حيال أي توقعات مقبلة، لاسيما بخصوص الثروات والاستثمارات واستقرار الحالة الاقتصادية من عدمها. ولعل في تفريغ الحكومة للهم الاقتصادي والمعيشي جدوى كبرى خلال هذه المرحلة، إذ إن الأولوية الاقتصادية ما تزال في مقدمة اهتمام الشارع الأردني الذي يرصد ملامح قلق اقتصادي منذ نحو عامين، ولا يجد في مقابلها حلولا كافية ومقنعة، تتمكن من تحقيق فرق في المكان والزمان.
(الغد 2015-07-25)