لقد سهونا

في افتتاح مؤتمر التطوير التربوي، بداية الأسبوع، قال رئيس الوزراء د. عبدالله النسور "لقد سهونا" عن قطاع التربية والتعليم ومشاكله، في اعتراف ضمني بأن الحكومات المتعاقبة لم تعر اهتماماً يذكر لهذا القطاع الحيوي. وفقط عندما أصبح من الصعب تجاهل أزمة التعليم، بدأ التفكير في مشاكل هذا القطاع. وعلينا أن ننتظر ما إذا كان المؤتمر سيؤدي الى إصلاح التعليم العام، أم أنه سيكون مؤتمراً عادياً كأغلب المؤتمرات التي نعقدها.
كلام الرئيس دفعني إلى التفكير والمراجعة بشأن عن ماذا سهونا أيضاً، لعل الحكومة تتذكر قبل حدوث صدمات في مجالات أخرى. ولن أستطيع ذكر كل القضايا التي سهونا عنها في هذا المقال. لكن، ألم نسهُ عن مشاكل المحافظات، وظروفها، وأحوال أهلها الاقتصادية والاجتماعية، وعدم المساواة بينها وبين المركز؛ وعن نزيف الهجرة من المحافظات بسبب عدم توفر فرص العمل والخدمات هناك، وانتشار الفقر والبطالة فيها؟
لقد سهونا أيضاً عن مشكلة الفقر في الأردن، وتقبلنا أن نتعايش مع الفقراء مع تزويدهم بالمسكنات. وأخطر من ذلك الفئة التي لا تدخل ضمن شريحة الفقراء، حسب المنهجيات المعتمدة، وتقدر نسبة أفرادها بأكثر من ربع السكان.
كذلك، ما نزال نمارس السهو عن مشكلة البطالة، ولم تعد تثير فينا أرقامها الفضول التي كانت تثيره منذ عقد من الزمان تقريباً. واكتفينا بأن البطالة لم ترتفع، وأنها تراوح مكانها منذ أكثر من عقد، ما يبعث على الطمأنينة.
ألم نسهُ عن واقع المرأة في الأردن، وثبات نسبة مشاركتها في سوق العمل منذ الثمانينيات، وارتفاع معدلات بطالة الإناث بما يوازي ضعف ما هي عليه لدى الذكور، وذلك بالرغم من نسب التحاقهن المرتفعة بالتعليم العام والجامعي؟
لقد سهونا عن أن نسبة زواج القاصرات سنوياً تتراوح بين 13-14 %، علماً أن السن القانوني للزواج، حسب قانون الأحوال الشخصية، هو من الثامنة عشرة. وأضيف لذلك الانتشار المريع للعنف ضد المرأة.
ولا أدري ما إذا سهونا أيضاً عن الشباب ومشاكلهم، وانتشار البطالة بينهم بنسبة لا تقل عن 40 %، وهي أعلى نسبة في منطقة الشرق الأوسط، كما انتشار العنف بينهم، والمخدرات التي بدأت تنهشهم في مناطق المملكة كافة.
يمكن أن أستمر في سرد القضايا والمشكلات، مثل المواصلات، والمياه، وتراجع الطبقة الوسطى، والنمو العشوائي للمدن، وغيرها. لكني أردت فقط إعطاء بعض الأمثلة. وبالطبع، فهذه المشاكل متراكمة، ولا تتحمل مسؤوليتها الحكومة الحالية؛ بل هي مسؤولية جماعية للحكومات المتعاقبة، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.
وفي أغلب الأحيان، تعمد الحكومات للتسكين أو الإنكار من خلال إجراءات بعينها، لكن نادراً ما تمت معالجة أي قضية أو موضوع بشكل جذري ونهائي.
تتحرك الحكومة في حالة حدوث أزمة، كما في التعليم، أو في حالة تنبيه جلالة الملك لهذه المشكلات، كما في الاستثمار. لكن الحكومات فقدت قدرتها على اكتشاف التحديات المتراكمة والمستجدة في المجتمع الأردني، والاستجابة لها. وباعتقادي أن المشكلة لا تكمن في بعض المعوقات البيروقراطية على أهميتها، وإنما هي في هيكلية الحكومة وطريقة عملها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا المتشابكة أو المتداخلة، التي تتطلب العمل عليها من وزارات عدة، فيما أسلوب الإدارة الحكومية ما يزال قطاعياً؛ فالبطالة تذهب لوزارة العمل، والفقر يذهب لوزارة التنمية الاجتماعية، والشباب للمجلس الأعلى.. وهكذا، علماً أن أي قضية من هذه القضايا تحتاج إلى سياسات متقاطعة تشترك في تنفيذها وزارات عدة، على مستوى السياسات والبرامج، وهذا غير متاح.
إن عدم القدرة على التنبه للمشكلات والعمل على إيجاد الحلول لها، أصبح مشكلة مزمنة في الإدارة الحكومية. والاستجابة تأتي عادة بعد أزمات لا يمكن السكوت عليها، أو بعد تنبيه الملك للحكومة.
كثير من المشاكل التي نواجهها لا تحتاج إلى موارد كثيرة أو إضافية، وإنما لإدارة قادرة على بلورة رؤى حول هذه القضايا، وتطوير سياسات متكاملة ومتقاطعة مع بعضها بعضاً.
لقد أصبحنا بحاجة لدراسة أسلوب الإدارة الحكومية، وأثره على المشاكل التي تعاني منها؛ أسباباً وحلولاً.
(الغد 2015-08-06)