في الزمن غير الأصيل!

تم نشره الخميس 06 آب / أغسطس 2015 12:46 صباحاً
في الزمن غير الأصيل!
د. ديمة طارق طهبوب

بكل ما يمكن ان يحمله قلب طفلة من غضب وبكاء واحمرار خدود وعيون وانتفاخ اوداج شكوت الى امي زميلتي في المدرسة التي آذتني بالرغم أني كنت لطيفة معها على الدوام، وأقسمت وتعهدت وتوعدت بأن سأفعل كذا وكذا ولن أعاملها بالحسنى وسأعاملها بمنتهى السوء، وتوقعت من أمي ان تساندني وتخفف عني فأنا وحيدتها والأهم اني على حق ولم أخطئ! فما كان منها الا ان ألقت على مسامعي عبارة لم أفهمها بل زادتني غضبا وأحسست ان امي لا تبالي ولا تتعاطف معي «خلي فعلك أصيل مش رد فعل»!

سنوات ومواقف ظللت أشكو فيها لأمي واطلب ان تؤيدني في أن انتصر لنفسي فتكرر تلك العبارة التي مقتّها بل أصبحت أرددها في نفسي واستبق ردة فعل أمي التي اصبحت تتبعها بعبارة من شاكلة «عاملي الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم» أو»مش احنا اللي بنرد بهذه الطريقة»! لم أكن أفهم من «احنا» الذين تقصدهم أمي، وفي مرحلة التمرد اصبحت أحس أن أمي تريد ان تغيظني فقط ولم أعد أشكولها اي شيء!

كبرت بحمد الله لأعرف من «احنا» الذين قصدتهم أمي، اي الناس الذين يحاولون ان يتمثلوا شرع الله واخلاق الاسلام في حياتهم، كبرت لأقدر حالة التميز الاخلاقي والشعوري التي حاولت امي ايصالها لي بضرورة ان يكون المسلم مختلفا عن غيره، لا يقابل الاساءة بالاساءة، ولا ينتظر تقديم الناس له ليرد لهم، ولا ينتظر دموعهم في ترحه ليرد لهم الزغاريد في افراحهم، المسلم فعله أصيل والمبادرة الى الخيرات سمته ويقبل ويعفو حتى عمن أخطأ بحقه!

جميل ومريح للنفس أن يعيش المرء بهذا الصفاء والتعالي الا ان مخالطة الناس تنتهك من هذه المثالية، ولكن اذا كانت المخالطة هي الاصل وهي الامتحان الصادق لصلابة المبادئ وامكانية تطبيقها فسيصرف اصحابها من مخزون اعصابهم وطاقة احتمالهم وطهر قلوبهم ليبقوا على مبادئهم!

الا ان التربية المتوازنة لا يمكن ان تكون حالة أحادية من التربية على الخير والعمل به ويجب الالمام بالمحذور والشر وطرائق الرد على أهله والتفريق بين مواضع الذلة للمؤمنين وبين مواضع الاستضعاف، بين ما يستحق العفو والصفح وبين المواقف التي يجب فيها الانتصار للنفس وتحصيل الحق.

لقد احسن سيدنا عمر عندما قال «لست بالخب ولا الخب يخدعني» وفي هذا دلالة على ان صاحب النفس التي كانت تبكي لبكاء طفل وتهتم لأمر دابة عثرت في الطريق كان ايضا من الحنكة والادراك بمكان أن ليس كل الناس يستحقون حسن الظن وحسن المعاملة والحذر واجب دون افراط في الثقة مع عدم المعرفة.

كم كان ليكون جميلا لو تركنا لقلوبنا ان تعيش حياة بلا قلق ولا توجس ولا ألم ولا حقد ولا هم يتعالى فيها المرء على كل منغص يلوث حالة الاطمئنان النفسي والتربوي والديني التي اختار ليعيش بها ولكن هذا غير ممكن ربما في هذه الحياة الدنيا!

اعترف ان تعاليم أمي كانت مريحة للنفس ومجزية في أوقات كثيرة في الوسط المناسب ومع من يستحقها من الناس وحتى احيانا مع من لا يستحقون فمجرد انتصارك على نفسك بقيامك بالشيء الصحيح فيه عوائد وأرباح نفسية لا حصر لها وفي ذات الوقت كانت تعاليم مرهقة مكلفة في مجتمع وأناس يرون ذلة الجناح ضعفا وإحسان الظن سذاجة.

نعم مكلف جدا ان تكون أصيلا في زمن مملوء بالزيف والمزيفين ولكنه مكلف أكثر ان تسمح لمثل لهؤلاء أن يفسدوا سنين من التربية الوالدية والقناعة الشخصية والتطبيق العملي أخذت نفسك بها وانت مؤمن بأن أخلاق المسلمين ومن يلتزمون بالدين يجب ان تكون مختلفة عمن سواهم!

كلفة الالتزام باهظة حد الارهاق ولكن كلفة التخلي والتفريط قد تكون سببا في الفناء! فلا تسمح لمن ظلموك او ضايقوك ان يفسدوا عليك العيش مرتين: مرة بخطئهم تجاهك واخرى ابلى بضرب الخير في نفسك!

في الزمن غير الاصيل اجعل من يخالطوك يدعون لمن ربوك وكن اثباتا عمليا ان الاسلام دين أصيل يزيد معدنه توهجا كلما اطبقت عليه الظلمات.

(السبيل 2015-08-06)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات