اليمن بين «ولد الشيخ» و.. «بن عمر»!

قوات جماعة انصار الله وحليفها علي عبدالله صالح، غادرت محافظات «الدولة» التي كانت قبل العام 1991 تسمى جمهورية اليمن الديمقراطية، بمعنى ان «الجنوب» لم يعد تحت سيطرة اي قوات «شمالية» وهو ما كان يُطالب به «الحراك الجنوبي» الذي طالما دعا الى فك ارتباطه بالشمال والسماح لأهالي الجنوب بتقرير مصيرهم، بعد ان لم يعد «رابط» الوحدة يُغريهم بالبقاء في كنف دولة موحدة تمت في البداية بالتراضي والتوافق وربما بالنيات الحسنة، التي لا يستطيع احد تأكيدها او الرهان عليها في الآن نفسه، وبخاصة بين من رأوا في «اقتراح» الوحدة المُقدّم من القيادة الجنوبية وكأنه نوع من «الاستسلام» واشبه بالهروب الى الأمام، بعد ان سقط الاتحاد السوفياتي الذي كان بمثابة «الحائط» الذي تستند اليه هذه الجمهورية «الفقيرة».. فيما كانت قراءة أهل الجنوب وقياداتهم.. مختلفة تماماً، اذ وجدت الفرصة سانحة لاقامة دولة موحدة، كبيرة ومتنوعة في الديموغرافيا وذات مكانة استراتيجية في الجغرافيا، فضلاً عن طي صفحة التشطير التي كانت نتاج خطة استعمارية بريطانية معروفة، ساهم في انجاحها سلاطين وشيوخ اليمن الذين كانوا في خدمة المُستعمِر ورهن اشاراته ما دام يوفر لهم الحماية و(المصروف) الشهري.
ولأن العقيد الذي رقّى نفسه الى رتبة مشير (ولم يبخل بالطبع على نائبه عبدربه منصور هادي برتبة مثلها) داعبته أحلام امبراطورية، بعد ان وجد نفسه سيداً على «البحرين» - الأحمر وبحر العرب - وحارساً «مُنتدباً» على باب المندب، فانه رأى في الجنوب «غنيمة حرب» صالحة للتوزيع عن البطانة والحلفاء، الذين يتقدمهم الشيخ عبدالله الأحمر والتجمع اليمني للاصلاح (الفرع اليمني للأخوان المسلمين) الذي يرأسه، فقد تعامل مع اهل الجنوب كرعايا ومواطنين من الدرجة العاشرة، فكان ان افتعل حرب الوحدة في العام 1994، مُنقلباً على كل الاتفاقيات التي وُقِعت، مأخوذاً بقوة حرسه الجمهوري وبعض الفرق الخاصة في جيشه كالفرقة المدرعة الاولى التي يرأسها علي محسن الأحمر (الأخ غير الشقيق له) وقد انتصر في تلك الحرب القذرة، ومضى قُدُماً في تمزيق البلاد وتقسيم الشعب الواحد الى ان سقط اليمن في وهدة الفوضى والانقسام والفقر والفساد والتبعية لدول الجوار كما لغيرها، الى ان اندلعت الثورة وعصفت بـ»يمن» علي عبدالله صالح الذي كانت حاله كحال حسني مبارك لا يُصدق أن قواعد اللعبة قد تغيرت وانه لم يعد حصان الرهان لدى مشغليه، وأن هؤلاء مستعدون لأن يُغيّروا «الأحصنة» حتى خلال احتدام المعارك.
ما علينا..
جمال بن عمر الجزازي الذي يحمل بطاقة الأمم المتحدة كوسيط أممي في اليمن «إستُقيل» وجيئ بالموريتاني اسماعيل ولد الشيخ احمد...بديلاً منه، والاخير-كما الاول-في وضع لا يحسد عليه، إذ ما يكاد أحدهما يتوصل الى اتفاق ما، حتى تفرض الاوضاع الميدانية عليه، طي ما كان يوشك على «النضوج» ثم البدء من جديد.
جديده الان...هو «الاتفاق» الذي توصل اليه في مسقط، مع جماعة انصار الله (الحوثيون) حيث ألمح الاخيرون بإمكانية قبول القرارات الدولية وعلى رأسها بالطبع القرار 2216، اضافة الى تسعة بنود قيل ان تفاهما حولها مع ولد الشيخ قد حصل، فيما في المقلب الاخر، ثمة حديث عن التحضير لمعركة تحرير صنعاء وثمة قوات تتدرب على سيناريو «التحرير» هذا، وفق معركة مفترضة (محاكاة على اجهزة متطورة تشبه اجهزة التدريب على الطائرات ولكنها تتميز بانها تمزج بين المعارك البرّية والجوّية، على ما نقلت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية).
هذا يعني ان الهوّة بين الطرفين واسعة وعميقة، وان التجسير عليها يبدو غير ممكن.. إن لم نقل مستحيلاً، ما يعني ان الأمور تتجه الى مربع «الحسم» حيث سيبرز منتصر ويرفع المنهزم راية الاستسلام.. فهل ثمة امكانية كهذه في تضاريس اليمن القاسية والصعبة ومعادلة التحالفات والاصطفافات القائمة الان؟...من السذاجة الاعتقاد بأن أحد الطرفين قادر على انهاء الحرب المندلعة منذ خمسة اشهر، حيث يمكن لاحد منهما «ربح» بعض معاركها، لكنه سيكون عاجزاً عن كسب الحرب ذاتها، ما بالك في انعدام قدرته على إنهائها؟ وخصوصاً في ظل الحديث عن تفاهمات واتفاقات قيل ان جماعة انصار الله قد عقدوها مع «الحراك الجنوبي» وعلى اثرها تم «تسليم» بعض المحافظات لهم بلا قتال، دون إهمال ما يرشح بل ويُعلن، عن ان «قوات الحراك الجنوبي» التي ترفع علم دولة اليمن الجنوبي (قبل الوحدة) لا تٌنسق ولا تُقيم اي اتصال مع قوات عبدربه منصور هادي، بل قيل ان معارك قد اندلعت بينهما كان الفوز فيها للحراك الجنوبي.
اليمن دخل منعطفاً اكثر خطورة مما كان عليه قبل خمسة اشهر، وربما تكون الفوضى هي سيدة الموقف في المديين القريب والمتوسط.
(الرأي 2015-08-18)