عن انشقاق «سيريزا».. أو مغامرة «تسيبراس» الفاشلة!

تم نشره الأحد 23rd آب / أغسطس 2015 01:18 صباحاً
عن انشقاق «سيريزا».. أو مغامرة «تسيبراس» الفاشلة!
محمد خروب

اعلان رئيس الوزراء اليوناني (اليساري) اليكسيس تسيبراس استقالة حكومته بهدف الذهاب الى انتخابات مبكرة, يُشكّل ضمن أمور, فشلاً ذريعاً, سياسياً وشخصياً, لمن ظن كثيرون انه قادر على تشكيل بديل حقيقي لخطاب ونهج الحكومات اليونانية المتعاقبة, التي أوصلت تلك البلاد التي علّمت البشرية مبادئ الديمقراطية وقيمها ومفهوم المشاركة الشعبية والغنية باسهاماتها الحضارية, الى حال من الانهيار والمديونية غير المسبوقة في التاريخ, مقارنة بنسبة العجز في الموازنة, ودائماً في الاستناد الى الناتج المحلي الاجمالي, فضلاً عن الخضوع التام الى املاءات بروكسل (بما هي مقر الاتحاد الاوروبي) وخصوصاً الترويكا الدائنة المكونة من البنك الدولي والبنك الاوروبي والمفوضية العامة للاتحاد الاوروبي..

من هنا, فإن الخيبة الكبرى هي السمة الاساسية لتجربة حكومة حزب سيريزا (تحالف اليسار الثوري باللغة العربية) التي لم تدم طويلاً, والتي شكّلت صدمة حقيقية لكل الذين راهنوا على شباب هذا الحزب وشعاراتهم التي جمعت بين الخطاب الشيوعي (الرسمي) وذلك التروتسكي, فضلاً عن الماويين والفوضويين وثلة من اليسار المتطرّف وتنظيمات عديدة, وجدت الفرصة سانحة لاستثمار غضب الشعب اليوناني على الطغمة الحاكمة التي في معظمها نتاج تحالف السلطة مع رجال الاعمال والكومبرادور و»المتأوربين», الذين لا تعنيهم كثيراً مسألة السيادة الوطنية وخصوصاً ما يتعلق بمستوى معيشة المواطنين اليونانيين ولا بأزمة البطالة التي تعصف بهم, فضلاً عن إنهاك الخزينة اليونانية المُفلسة التي ترفع من نسب الضرائب وخصوصاً ضريبة القيمة المضافة على المبيعات, وفي تآكل الاجور, وكون الحكومات المتعاقبة لا تعمل سوى على جمع المزيد من الاموال لدفع «فوائد الديون», دون ان تُظهر أي جدّية في اصلاح الاقتصاد, أو التخفيف من وطأة خطط «التقشف» التي فرضها تحالف الترويكا الثلاثي, الذي - كالعادة - لا يهتم الا بتمرير وصفاته المُدمِرة على الطبقات الشعبية المنتجة, فيما ينعم الاغنياء على قلتهم وجشعهم وتهربهم الضريبي بل الانحياز لصالحهم في التشريعات الضريبية المُصمّمة لخدمة مصالحهم, ينعم هؤلاء بزيادة أرصدتهم واستيلائهم على مقدرات الشعب اليوناني المتمثلة في القطاع العام ومؤسساته, التي تُعْرَض للبيع (شبه المجاني) تحت شعار الخصخصة البرّاق, والذي تم تمريره وتسويقه تحت ذريعة انه سيُساهم في تجويد الانتاج وزيادة المنافسة, والتي ستعود بالفائدة على المواطنين, لكن شيئاً من هذا لم يحدث, بل حدث العكس تماماً لدى كل الدول التي أخذت بنصائح البنك والصندوق الدوليين، ولم يعد ثمة لدى الغالبية العظمى من المواطنين سوى أموالهم «المودعة» في مؤسسة الضمان الاجتماعي, التي هي الآن عُرضة للاستيلاء عليها او تخفيض رواتب المتقاعدين, كما يُلوّح دائنو اليونان بذلك, للموافقة على الجرعة الثالثة (اتفاقية القرض الثالث) وتنفيذاً (للاصلاحات) التي طالب بها الدائنون.

ما علينا..

لم يتردد تسيبراس الذي قاد سيريزا لانتصار مدوٍ فاجأ الجميع في الانتخابات الاخيرة حيث حصد حزبه على 149 مقعداً من اصل 300 مقعد هي مجموع مقاعد البرلمان، في «بيع» اليونان بالمزاد العلني وارتهان مؤسسات بلاده لصالح اكبر دولة دائنة له وهي المانيا، عندما باع (14) مطاراً يونانياً لشركة المانية معروفة، الأمر الذي زاد من النقمة عليه والتمرد داخل صفوف حزبه الذي لم يكن منسجماً في الاساس، وخصوصاً بعد تراجع «تسيبراس» غير المبرر عن وعوده وخصوصاً في تَنكُّرِه للتفويض الذي منحه اليونانيون له عندما استجابوا لطلبه اجراء استفتاء على الشروط الاوروبية لضخ المزيد من الاموال في الخزينة اليونانية لمنعها من الافلاس، فاذا بهم يمنحونه اغلبية ساحقة لم يحلم او يتوقع احد بأنها ستكون بهذا الزخم (62%) قالوا «لا» مدوية، ظن كثيرون انها ستزيد من «تصلّب» تسيبراس وتمنحه المزيد من رياح الاسناد، فاذا بالرجل يدير ظهره باحتقار لهذه الغالبية المحترمة, ويمضي سريعاً للتوقيع على شروط الدائنين المُذِلة ولم يستطيع تمريرها في البرلمان اليوناني الا بمساعدة خصومه في اليمين (الحزب الديمقراطي الجديد النسخة المعدلة للحزب الاشتراكي «باسوك» بزعامة آل باباندريو)..

الى أين من هنا؟

أسقط تسيبراس برنامج تحالف اليسار الذي قام في الاساس على نقاط أساسية اهمها اعادة تأسيس الاقتصاد والعمل بالعدالة الضريبية وتغيير النظام السياسي وتعميق الديمقراطية وتنفيذ خطة وطنية للتشغيل ومكافحة البطالة وخصوصاً مواجهة الأزمة الانسانية في اليونان وفصل الدين عن الدولة، كل هذا بات من الماضي في برنامج تسيبراس الذي يتحمل وحده المسؤولية في تصديع حزبه وشقّه, حيث أعلن «المنشقون» نيتهم تأسيس حزب جديد يقطع مع ما تبقى من مؤيدي تسيبراس الناكث بوعوده للناخبين والخاضع لاملاءات الدائنين, كما قالوا في بيان انشقاقهم (يزيدون على 25 نائباً, باتوا الآن وحتى اجراء الانتخابات في كتلة برلمانية جديدة تحمل اسم «الاتحاد الشعبي»).

يمكن لانصار تسيبراس الزعم بأن ما «يُرى» من قصر الحكومة.. لا «يُرى» من الشارع، بمعنى ان لا احد يعرف حجم وعمق الأزمة التي تعيشها اليونان، الا ان ذلك لا يعني أبداً ان تسيبراس لم يخن ناخبيه، ولم يخذل رفاقه، ولم يهدر الفرصة التي اتيحت له ولحزبه كي يستعيدوا سيادة بلدهم وكرامته..

(الرأي 2015-08-23)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات