الجنرال إذ «يُحذر» حزبه من غضب الشعب!

أما الشعب، فهو الشعب السوداني الشقيق الذي لفت نظر الجنرال الرئيس عمر حسن البشير ان صبره (الشعب بالطبع) قد عيل وانه «قد» يفكر بالثورة على الحزب الحاكم المسمى حزب المؤتمر الوطني والقابض على السلطة منذ ربع قرن بعد انقلاب عسكري تم تدبيره بالتعاون مع رجل الدين (اقرأ رجل الموارثة الشهير) حسن الترابي في 30 حزيران 1989.
ما الذي دفع بالجنرال الى توبيخ كوادر حزبه في هذا التوقيت بالذات؟ ثمة ما يثير الريبة في دعوة «مستجدة» كهذه، بعد ان عبّر السودانيون في شكل لا يقبل التأويل ان ليس بمقدورهم تحمل المزيد من تدهور الاوضاع المعيشية وزيادة نسب البطالة وارتفاع الاسعار وتآكل الرواتب وخصوصاً في ارتفاع منسوب الفساد وانهيار المرافق والخدمات العامة، على نحو باتت فيه كل وعود الرئيس وحزبه الحاكم بلا رصيد حقيقي على الارض ناهيك عن ان الاصلاحات التجميلية التي قام بها الرئيس ضد اعوانه ومساعديه والتغييرات في المناصب والتحالفات لم ينتج عنها اي شيء ايجابي وواصل الحزب الحاكم سياساته غير المنتجة على اكثر من صعيد اقتصادي وتجاري وخدماتي واداري اسهمت كلها في مفاقمة الاوضاع وتدهورها اكثر مما اشرّت الى امكانية حدوث تغيير ايجابي في المشهد السوداني المتزايد تأزماً واحتمالات ماثلة لمزيد من التدهور والانهيارات.
ان يعترف رئيس البلاد بأن الحزب الحاكم بات ضعيفاً على مستوى «القاعدة» يعني انه في جانب آخر من المسألة يستعد لاجراء حملة تطهير جديدة داخل الحزب وإن كان كلامه يستبطن شيئا آخر وهو –ربما- القول ان الحزب كان ذات يوم «قوياً» على مستوى القاعدة الى ان اعتراه الترهل وهو أمر مشكوك فيه لأن احزاب السلطة في البلاد العربية لا تنطبق عليها مفاهيم العمل الحزبي بقدر ما تشكل ديكوراً «وعِدة» شغل لتجميل قباحات النظام الحاكم اكثر مما تتوسل مقاربات وآليات لوضع الحزب في خدمة الجمهور وطلب تأييده اقتناعاً بمبادئه او اعجاباً ببرنامجه او قبولاٍ برئيسه، سواء جاء على ظهر دبابه كمال حال جنرالنا في السودان أم عبر «استفتاء» كتلك التي برع فيها حسني مبارك وبعض الانظمة العربية المعروفة.
ثم.. ان يقول الجنرال البشير ان المرحلة المقبلة تتطلب تعبئة كاملة، باعتبارها مرحلة «صعبة» تتطلب «جراحات عميقة»، يعني في جملة ما يعنيه، إبعاد انظار الناس عن الصعوبات الهائلة التي لم تتوقف لدى السودانيين منذ «ثورة الانقاذ» المجيدة والتي لم ير السودانيون من بركاتها غير المزيد من الحروب والاعتقالات وتقسيم السودان والزج به في متاهات وتحالفات النظام العربي المتصدع والآيل للسقوط فعلا عن احتكار الحزب الحاكم للسلطة واعتبار كل من يعارضه مرتزقة وعملاء للاستعمار والصهيونية وغيرها من «أدبيات» النظام العربي التي لا تقيم وزناً للجمهور ولا تحترم ذكاءه، بل تراهن على سرعة نسيانه وربما غفرانه.
حملة التعبئة الجماهيرية التي يدعو إليها الرئيس البشير لن تلقى صدى ميدانياً بعد ان خبر السودانيون –على جلودهم- ما يريد النظام الحاكم تقديمه على جدول الأعمال الوطني، وصبر السودانيين لن يستمر، حتى بعد ان أعلن الجنرال عن خطة لنزع السلاح من ايادي الميليشيات القبلية والمواطنين في تشرين الثاني المقبل، بزعم الحد من النزاعات القبلية، بعد ان كان النظام قد استخدم هذه النزاعات لتعميق الفجوات بين شرائح المجتمع والابقاء عليها في حال احتراب وعداء، وليضع نفسه موضع «الحَكم» بينها، لكنها سياسة قصيرة النظر وغير مثمرة ما دامت البلاد رهينة الحلول العسكرية واحادية الحزب والقائد واستمرار المناورات التكتيكية وغير الصادقة تجاه الحوار مع احزاب المعارضة السلمية ما بالك العسكرية في ظل انسداد افق علاقات النظام مع دول الجوار وتدهور علاقاته مع منظمات المجتمع المدني وباقي شرائح المعارضة الداخلية وفقدانه صدقيته لحل مشكلات الجمهور السوداني المعيشية والاجتماعية والأمنية..
انها آفة النظام العربي الآخذ بالتفكك والافول.
(الراي 2015-08-24)